وَالتَّاسِع مِنْهَا: أَنه أَشَارَ فِي الْآيَة بقوله: ﴿إِن الَّذين يضلون عَن سَبِيل الله لَهُم عَذَاب شَدِيد بِمَا نسوا يَوْم الْحساب﴾ (ص: ٢٦) إِلَى أَن من ضل عَن سَبِيل الله، وأصر على ذَلِك، وَلم يسْتَغْفر، وَلم يتب عَن ضلاله، فَإِنَّهُ يعذب فِي الْعَذَاب الشَّديد، لِأَن الضَّلَالَة عَن سَبِيل الله سَبَب لنسيان الْآخِرَة، ونسيان الْآخِرَة سَبَب لنسيان الله تَعَالَى، ونسيان الله سَبَب للدخول فِي الْعَذَاب الشَّديد. كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: ﴿نسوا الله فنسيهم﴾ (التَّوْبَة: ٦٧) .
قَالَ بزرجمهر: لَا يَنْبَغِي للْملك أَن يكون فِي حفظ مَمْلَكَته أقل من البستاني فِي حفظ بستانه، إِذا زرع الريحان، وَنبت فِيهِ الْحَشِيش، استعجل فِي قلع الْحَشِيش، كي يضْبط أَمَاكِن الريحان.
وَقَالَ أفلاطون: " عَلامَة السُّلْطَان المظفر على أعدائه، أَن يكون قَوِيا فِي نَفسه، حلوا فِي قُلُوب الرّعية، رَفِيقًا فِي سَائِر أَعماله، مجربا لعهد من تقدمه، خَبِيرا بأعمال من هُوَ أقدم مِنْهُ، صلبا فِي دينه ".
وكل ملك اجْتمعت فِيهِ هَذِه الْخِصَال كَانَ فِي عين عدوه مهيبا، وَلَا يجد الْغَائِب إِلَيْهِ عَيْبا.
وَقَالَ سقراط: " عَلامَة الْملك الَّذِي يَدُوم ملكه أَن يكون الدّين وَالْعقل حَبِيبِي قلبه، ليَكُون فِي قُلُوب الرّعية محبوبا، وَأَن يكون الْعقل قَرِيبا مِنْهُ، ليَكُون عِنْد الْعُقَلَاء قَرِيبا، وَأَن يكون طَالبا للْعلم ليتعلم من الْعلمَاء، وَأَن يكون فَضله كثيرا ليعظم عِنْد الْفُضَلَاء، وَأَن يكون مُبْعدًا عَن مَمْلَكَته طَالب الْعُيُوب، ليبعد عَنهُ الْعُيُوب ".
وكل ملك لم يكن لَهُ مثل هَذِه الْخِصَال، لَا يفرح بمملكته، ويسرع إِلَيْهِ دواعي هَلَكته، ويتلف أقرباؤه على يَدَيْهِ.
والعاشر مِنْهَا: أَن الله تَعَالَى أَشَارَ بِهَذِهِ الْآيَة إِلَى أَن الْخلَافَة من الْأُمُور الَّتِي تَجْتَمِع مَعهَا النُّبُوَّة، فَلَا يبْقى للملوك والأمراء عذر بِأَن قَالُوا: لَا يحصل بالخلافة الْعِبَادَة ومصالح الدّين، لِأَن الْمُلُوك يشتغلون بمصالح الْمُسلمين، بل الْخلَافَة أتم الْأُمُور الَّتِي بهَا يصلح أُمُور الدّين وَالدُّنْيَا، وَيقرب الْعباد بهَا إِلَى الله - تَعَالَى -
1 / 172