فَقَالَ أَبُو شرْوَان مَا سَبَب هَذَا الْقَحْط؟ قَالَت الصبية: سَببه تغير نِيَّة السُّلْطَان، فقد سمعنَا من الْعلمَاء أَنه إِذا تغير نِيَّة السُّلْطَان على قوم زَالَت بركاتهم، وَقلت خيراتهم.
فَعِنْدَ ذَلِك ضحك أنو شرْوَان، وأزال من نَفسه مَا كَانَ قد أضمر لَهُم، وَتزَوج بالصبية لتعجبه من ذكائها، وَحسن كَلَامهَا.
وَالسَّابِع مِنْهَا: أَنه تَعَالَى قَالَ فِي الاية: ﴿وَلَا تتبع الْهوى﴾ (ص ٢٦) يَعْنِي: لَا تتبع الْهوى فِي جَمِيع الْأَوْقَات، وَفِي جَمِيع الْأُمُور، وَاتِّبَاع الْهوى أصل جَمِيع الْمعاصِي، لِأَن فِرْعَوْن ادّعى الألوهية بِسَبَب الْهوى، وَبني إِسْرَائِيل عبدُوا الْعجل بِسَبَب الْهوى. وَقد قَالَ الله تَعَالَى: ﴿أَفَرَأَيْت من اتخذ إلهه هَوَاهُ﴾ (الجاثية ٢٣) وكل من يُخَالف هَوَاهُ فِي جَمِيع الْأَوْقَات والأمور، فَإِن الْجنَّة مثواه.
قَالَ الله تَعَالَى: ﴿وَأما من خَافَ مقَام ربه وَنهى النَّفس عَن الْهوى فَإِن الْجنَّة هِيَ المأوى﴾ (النازعات ٤٠، ٤١) . وَقَالَ عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه: " ويل لقَاضِي الأَرْض من قَاضِي السَّمَاء حِين يلقاه إِلَّا من عدل، وَقضى بِالْحَقِّ، وَلم يحكم بالهوى، وَلم يمل مَعَ أَقَاربه، وَلم يُبدل حكما لخوف أَو طمع، لَكِن يَجْعَل كتاب الله مِيزَانه، وَنصب عينه وَيحكم بِمَا فِيهِ ".
فَلَا يَنْبَغِي للسُّلْطَان أَن يشْتَغل دَائِما بلعب الشطرنج، والنرد، وَشرب الْخمر، وَضرب الكرة، وَالصَّيْد، لِأَن هَذِه الْأَشْيَاء تلهي السُّلْطَان وتشغله عَن الْأَعْمَال، وَلكُل عمل وَقت، فَإِذا فَاتَ الْوَقْت، عَاد الرِّبْح خسرانا، وَالسُّرُور أحزانا.
فَإِن الْمُلُوك القدماء قسموا النَّهَار أَرْبَعَة أَقسَام: قسم مِنْهَا: لعبادة الله تَعَالَى وطاعته.
وَالْقسم الثَّانِي مِنْهَا: للنَّظَر فِي أُمُور السلطنة، وإنصاف المظلومين وسياسة الْجُمْهُور، وتنفيذ المراسيم والأوامر، وَكِتَابَة الْكتب، وإنفاذ الرُّسُل.
وَالْقسم الثَّالِث: للْأَكْل وَالشرب، وَالنَّوْم، وَأخذ الحظوظ من الْفَرح وَالسُّرُور.
1 / 167