وَاعْلَم يَا سُلْطَان الْعَالم، أَن الَّذين كَانُوا من قبلك من الْمُلُوك مضوا، وَالَّذين يأْتونَ بعْدك لم يصلوا، فاجتهد أَن يكون جَمِيع مُلُوك الزَّمَان محبيك ومشتاقيك.
حِكَايَة: " يُقَال: إِن أَبُو شرْوَان ركب بعض أَيَّام الرّبيع على سَبِيل الفرجة، فَجعل يسير فِي الرياض المخضر، ويشاهد الْأَشْجَار المثمرة، وَينظر الكروم العامرة، فَنزل عَن فرسه شكرا لرَبه، وخر سَاجِدا، وَوضع خَدّه على التُّرَاب زَمَانا طَويلا، فَلَمَّا رفع رَأسه قَالَ لأَصْحَابه: إِن خصب السنين من عدل الْمُلُوك والسلاطين، وَحسن نيتهم إِلَى رعيتهم، فالمنة لله الَّذِي أظهر حسن نيتنا فِي سَائِر الْأَشْيَاء.
وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك، لِأَنَّهُ جربه بعض الْأَوْقَات.
حِكَايَة: " يُقَال: إِن أنو شرْوَان الْعَادِل مضى يَوْمًا إِلَى الصَّيْد وَانْفَرَدَ من عسكره خلف الصَّيْد، فَرَأى ضَيْعَة بِالْقربِ مِنْهُ، وَكَانَ قد عَطش فقصد الضَّيْعَة، وأتى بَاب دَار قوم، وَطلب مَاء للشُّرْب، فَخرجت صبية فأبصرته، ثمَّ عَادَتْ إِلَى الْبَيْت، فدقت قَصَبَة وَاحِدَة من قصب السكر، ومزجت مَا عصرته مِنْهَا بِالْمَاءِ، وَوَضَعته فِي الْقدح، فَرَأى فِيهِ تُرَابا، فَشرب مِنْهُ قَلِيلا قَلِيلا، حَتَّى انْتهى إِلَى آخِره وَقَالَ للصبية: نعم المَاء لَوْلَا القذى، فَقَالَت: أَنا ألقيت فِيهِ القذى عمدا، فَقَالَ لَهَا: لم فعلت ذَلِك؟ قَالَت: رَأَيْتُك شَدِيد الْعَطش، فَلَو لم يكن فِي المَاء قذى لشربته عجلا نوبَة وَاحِدَة، وَكَانَ يَضرك شربه، فتعجب أنو شرْوَان من كَلَامهَا، وَعلم أَنَّهَا قَالَت ذَلِك عَن ذكاء وفطنة، ثمَّ قَالَ لَهَا: من كم دققت ذَلِك المَاء؟ قَالَت: من قَصَبَة وَاحِدَة، فتعجب أنو شرْوَان، وأضمر فِي نَفسه أَن ينظر فِي جَرِيدَة خراجها، وَأَن يزِيد عَلَيْهِم الْخراج، ثمَّ عَاد إِلَى تِلْكَ النَّاحِيَة بعد عودته بَلَده، واجتاز على ذَلِك الْقرْيَة مُنْفَردا وَطلب المَاء، فَخرجت تِلْكَ الصبية بِعَينهَا، فرأته فعرفته ثمَّ عَادَتْ لتخرج المَاء فأبطأت عَلَيْهِ، فاستعجلها أنو شرْوَان، وَقَالَ: لأي سَبَب أَبْطَأت؟ قَالَت: لِأَنَّهُ لم يخرج من قَصَبَة وَاحِدَة حَاجَتك، وَقد دققت ثَلَاث قصبات، وَلم يخرج مِنْهَا بِقدر مَا كَانَ يخرج من قَصَبَة وَاحِدَة.
1 / 166