أَنه كلما كَانَت الْولَايَة أعمر، كَانَت الرّعية أوفر وأشكر، وَكَانُوا يعلمُونَ أَن الَّذِي قالته الْحُكَمَاء، ونطقت بِهِ الْعلمَاء، صَحِيح لَا ريب فِيهِ، وَهُوَ قَوْلهم: إِن الدّين بِالْملكِ، وَالْملك بالجند، والجند بِالْمَالِ، وَالْمَال بعمارة الْبِلَاد، وَعمارَة الْبِلَاد بِالْعَدْلِ فِي الْبِلَاد والعباد ". فَمَا كَانَ الْمُلُوك القدماء يوافقون أحدا على الْجور وَالظُّلم، وَلَا يرضون لحشمهم بالجور والغشم علما مِنْهُم أَن الرّعية لَا تثبت على الْجور، وَأَن الْأَمَاكِن والبلاد تخرب إِذا استولى عَلَيْهَا الظَّالِمُونَ، وتتفرق أهل الْولَايَة، ويهربون إِلَى ولَايَة فِيهَا الْعدْل، وَيَقَع النَّقْص فِي الْملك، ويقل فِي الْبِلَاد الْبركَة، وتخلو الخزائن من الْأَمْوَال ويتكدر عَيْش الرعايا، لِأَن الرعايا لَا يحبونَ جائرا، وَلَا يزَال دِمَاؤُهُمْ عَلَيْهِ متواترا، فَلَا يتمتع بمملكته وتسرع إِلَيْهِ دواعي هَلَكته.
وَقيل: الظُّلم نَوْعَانِ:
أَحدهمَا: ظلم السُّلْطَان لرعيته، وجور الْقوي على الضَّعِيف، والغني على الْفَقِير.
وَالثَّانِي: ظلمك لنَفسك، وَذَلِكَ من شُؤْم معصيتك، فَلَا تظلم لنَفسك، ليرْفَع عَنْك ظلم السلاطين.
سُئِلَ ذُو القرنين فَقيل: أَي شَيْء من مملكتك أَنْت بِهِ أَكثر سُرُورًا؟ فَقَالَ: شَيْئَانِ: أَحدهمَا: الْعدْل والإنصاف.
وَالثَّانِي: أَن أكافئ من أحسن إِلَيّ بِأَكْثَرَ من إحسانه.
وَقَالَ ابْن عمر ﵁: إِن رَسُول الله -[ﷺ]- قَالَ: " لم يخلق الله تَعَالَى فِي الأَرْض شَيْئا أفضل من الْعدْل، وَالْعدْل ميزَان الله تَعَالَى فِي أرضه، من تعلق بِهِ أوصله إِلَى الْجنَّة ".
وَقَالَ أَيْضا: قَالَ رَسُول الله [ﷺ]: " إِن للمحسنين فِي الْجنَّة منَازِل حَتَّى المحسن إِلَى أَهله وَعِيَاله وَأَتْبَاعه ".
1 / 160