فَتصدق بِهِ علينا، فَإِن الله يَجْزِي المتصدقين، فتغرغرت عينا عمر ﵀ بالدموع، وَقَالَ: هُوَ كَمَا ذكرت وَأمرت، فَقضى حوائجهم من بَيت مَال الْمُسلمين.
فَلَمَّا هم الْأَعرَابِي بِالْخرُوجِ قَالَ لَهُ عمر: أَيهَا الْإِنْسَان الْخَيْر كَمَا رفعت إِلَى حوائج عباد الله، وأسمعتني كَلَامهم، فأوصل كَلَامي، وارفع حَاجَتي إِلَى الله تَعَالَى.
فحول الْأَعرَابِي وَجهه نَحْو السَّمَاء، وَقَالَ: اللَّهُمَّ اصْنَع مَعَ عمر بن عبد الْعَزِيز كصنعه فِي عِبَادك، فَمَا استتم كَلَامه حَتَّى ارْتَفع غيم فَأمْطر مَطَرا غزيرا، وَجَاء فِي الْمَطَر بردة كَبِيرَة، فَوَقَعت على صَخْرَة، فَانْكَسَرت، فَخرج مِنْهَا كاغد عَلَيْهِ مَكْتُوب: هَذِه بَرَاءَة من الله الْعَزِيز، إِلَى عمر بن عبد الْعَزِيز، بالنجاة من النَّار.
وَالْخَامِس مِنْهَا: أَن الله تَعَالَى أَمر فِي الْآيَة بالحكم بِالْحَقِّ - أَي بِالْعَدْلِ - بِمُوجب الشَّرْع، لَا بالجور وَالظُّلم والميل والرشوة، كَمَا قَالَ ﵇: " مَا من أَمِير عشيرة إِلَّا يُؤْتى يَوْم الْقِيَامَة مغلولا، حَتَّى يفك عَنهُ الْعدْل، أَو يوبقه الْجور ".
فَيَنْبَغِي للسُّلْطَان أَو الْملك أَن يُسَاوِي بَين الْمَجْهُول الَّذِي لَا يعرف، وَبَين المحتشم صَاحب الجاه فِي مَكَان وَاحِد فِي وَقت الدَّعْوَى، وَينظر إِلَيْهِمَا فِي الدَّعْوَى نظرا مُسَاوِيا، وَلَا يفضل أَحدهمَا على الآخر، لأجل أَن أَحدهمَا غَنِي وَالْآخر فَقير.
فَإِن فِي الْقِيَامَة الْجَوْهَر والخزف شَيْء وَاحِد، وَإِن كَانَ لرجل ضَعِيف على سُلْطَان حق أَو دَعْوَى، فَيَنْبَغِي للْحَاكِم أَن يَأْمر ذَلِك السُّلْطَان بِأَن يقوم من صدر مرتبته، ويساوي فِي الْقيام وَالْقعُود مَعَ الْغَرِيم الضَّعِيف وَيحكم الْحَاكِم بَينهمَا بِحكم الله، وينصف ذَلِك الضَّعِيف بِمُوجب الشَّرْع، ويرضيه فَلَا يخَاف، وَلَا يستحي من الْحق، لقَوْله تَعَالَى: ﴿إِن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان﴾ (النَّحْل: ٩٠) فقد جَاءَ عَن النَّبِي ﵇ أَنه قَالَ: " كل رَاع يسئل عَن غنمه، وكل سُلْطَان يسئل عَن رَعيته ".
فَاعْلَم أَن الْمُلُوك القدماء كَانَت همتهم واجتهادهم فِي عمَارَة بِلَادهمْ، لعلمهم
1 / 159