وَقد بلغ مني وَمِنْهُم الْجهد والجوع، وَقد مَنعهم عَن الهجوع، فَقَالَ عمر ﵁: وَأي شَيْء فِي هَذِه؟ فَقَالَت: فِيهَا مَا أشاغلهم بِهِ، لِيَظُنُّوا أَنه طَعَام، فيصبروا قَالَ: فَعَاد إِلَى الْمَدِينَة، وَقصد دكان بياع الدَّقِيق، وابتاع مِنْهُ ملْء جراب وَقصد دكان السمان، فَابْتَاعَ مِنْهُ سمنا، وَوضع الْجَمِيع على عَاتِقه، وَمضى يطْلب الْمَرْأَة والأطفال، فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، ناولنيه لأحمله عَنْك، فَقَالَ: إِن حَملته عَنى فِي الدُّنْيَا، فَمن يحمل ذُنُوبِي فِي الْآخِرَة، وَمن يحول بيني وَبَين دُعَاء تِلْكَ الْمَرْأَة؟ وَجعل يسْعَى - وَهُوَ يبكي - إِلَى الْمَرْأَة، فَقَالَت الْمَرْأَة: جَزَاك الله عني أفضل الْجَزَاء.
فَأخذ عمر ﵁ جُزْءا من الدَّقِيق، وشيئا من السّمن، وَوَضعهمَا فِي الْقدر، وَجعل يُوقد النَّار، فَكلما أَرَادَت النَّار أَن تخمد نفخها، وَكَانَ الرماد يسْقط على وَجهه ومحاسنه، حَتَّى انطبخت الْقدر، فَوضع الطبيخ فِي الْقَصعَة، وَقَالَ للأطفال: كلوا، فَأكلت الْمَرْأَة والأطفال، فَقَالَ: أيتها الْمَرْأَة لَا تدعين على عمر، فَإِنَّهُ لم يكن لَهُ مِنْك وَلَا من أطفالك علم وَلَا خبر ".
وَأول من دعى بأمير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب ﵁، لِأَن أَبَا بكر ﵁ كَانَ يَدعُوهُ النَّاس بخليفة رَسُول الله -[ﷺ]- فَلَمَّا وصل الْأَمر إِلَى عمر ﵁، دَعوه بخليفة خَليفَة رَسُول الله، وَكَانَ الْأَمر يطول على الْمُسلمين، فَقَالَ عمر ﵁: أَلَسْت أميركم؟ قَالُوا: بلَى، فَقَالَ: سموني أميركم، وَإِن دعوتموني أَمِير الْمُؤمنِينَ فَإِنِّي ذَلِك ابْن الْخطاب.
حِكَايَة: كَانَ فِي زمن عمر بن عبد الْعَزِيز ﵀ قحط عَظِيم، فوفد عَلَيْهِ وَفد من الْعَرَب، واختاروا رجلا من الْعَرَب للخطابة فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِنَّا أَتَيْنَاك من ضَرُورَة عَظِيمَة، وَقد يَبِسَتْ جلودنا على أَجْسَادنَا لفقد الطَّعَام، وَهَذَا المَال لَا يَخْلُو من ثَلَاثَة أَقسَام: إِمَّا أَن يكون لله، أَو لعباد الله، أَو لَك، فَإِن كَانَ لله، فَهُوَ غنى عَنهُ، وَإِن كَانَ لعباد الله تَعَالَى أَو لَك،
1 / 158