فِي جمع المَال وَعمارَة الدُّنْيَا كَمَا تَجِدُونَ. فاليوم تَغَيَّرت عظامهم، وتلاشت أجسامهم، كَمَا ترى وَهَذِه الْخرق كَانَت أثوابهم الَّتِي يتزينون بهَا عِنْد التجمل وَوقت الرعونة والتزين، فاليوم قد ألقتها الرّيح فِي النَّجَاسَات، وَهَذِه عِظَام دوابهم الَّتِي كَانُوا يطوفون بهَا أقطار الأَرْض على ظُهُورهمْ، وَهَذِه النَّجَاسَات كَانَت أطعمتهم اللذيذة، الَّتِي كَانُوا يحتالون فِي تَحْصِيلهَا وينهبها بَعضهم من بعض، قد ألقوها عَنْهُم بِهَذِهِ الفضيحة الَّتِي لَا يقربهَا أحد من نتنها. فَهَذِهِ جملَة أَحْوَال الدُّنْيَا كَمَا تشاهد وَترى، فَمن أَرَادَ أَن يبكي على الدُّنْيَا فليبك، فَإِنَّهَا مَوضِع الْبكاء " قَالَ أَبُو هُرَيْرَة ﵁ فَبكى الْجَمَاعَة الْحَاضِرُونَ.
اعْلَم يَا سُلْطَان الْعَالم: أَن بني آدم طَائِفَتَانِ: طَائِفَة نظرُوا إِلَى شَاهد حَال الدُّنْيَا وتمسكوا بتأمل الْعُمر الطَّوِيل، وَلم يتفكروا فِي النَّفس الْأَخير. وَطَائِفَة عقلاء جعلُوا نفسهم الْأَخير نصب أَعينهم، لينظروا إِلَى مَاذَا يكون مصيرهم، وَكَيف يخرجُون من الدُّنْيَا ويفارقونها وَإِيمَانهمْ سَالم؟ أخذُوا من الدُّنْيَا مَا ينزل مَعَهم فِي الْقُبُور، وَتركُوا لأعدائهم مَا يبْقى وباله ونكاله.
وَهَذِه الفكرة وَاجِبَة على كَافَّة الْخلق، وَهِي على الْمُلُوك وَأهل الدُّنْيَا أوجب؛ لأَنهم كثيرا أزعجوا قُلُوب الْخلق، وفزعوا الْخلق، وَقتلُوا الخليقة، وأدخلوا فِي قُلُوبهم الرعب.
فَإِن بِحَضْرَة الله - جلّ وَعلا - غُلَاما يُقَال لَهُ: عزرائيل، يعرف بِملك الْمَوْت، لَا مهرب لأحد من مُطَالبَته، وتشبيثه وكل موكلي الْمُلُوك يَأْخُذُونَ جعلهم ذَهَبا وَفِضة وَطَعَامًا، وَصَاحب هَذَا التَّوْكِيل لَا يَأْخُذ سوى الرّوح جعلا، وَسَائِر موكلي السلاطين تَنْفَع عِنْدهم الشَّفَاعَة، وَهَذَا الْمُوكل لَا تَنْفَع عِنْده شَفَاعَة الشافعين، وَجَمِيع الموكلين يمهلون من يوكلون بِهِ الْيَوْم أَو السَّاعَة، وَهَذَا الْمُوكل لَا يُمْهل نفسا وَاحِدًا.
1 / 151