حِكَايَة: روى أَن الْخضر ﵇ ذهب عِنْد ملك لينصح لَهُ، فَقَالَ: يَا ملك اعْلَم وتفكر، إِنِّي مضيت يَوْمًا من الْأَيَّام من مدينتك، فَرَأَيْت هَذِه الْمَدِينَة مَدِينَة عَظِيمَة وعامرة، وَكَثُرت فِيهَا الحدائق وَالنعَم فغبت عَنْهَا ثَلَاثمِائَة سنة، فَلَمَّا رجعت إِلَى هَذِه الْمَدِينَة، فرأيتها قد كَانَت بحرا تجْرِي فِيهِ السفن مَمْلُوءَة من الْخَلَائق، يجيئون ويذهبون، ثمَّ غبت عَنْهَا خَمْسمِائَة سنة، ثمَّ رجعت إِلَى هَذِه الْبَلدة، وَقد كَانَت أيكة، وَفِي طرفها جَزِيرَة، وفيهَا كثير من الْخَلَائق، وعمروها ثَلَاثمِائَة سنة، ثمَّ غبت عَنْهَا خَمْسمِائَة سنة، ثمَّ جِئْت، فَرَأَيْت قد نبت فِيهَا الزَّعْفَرَان والكافور، وَكَانَت بِحَيْثُ لم يكن فِي الدُّنْيَا أعز من هَذِه الْمَدِينَة، ثمَّ غبت عَنْهَا خَمْسمِائَة سنة، ثمَّ جِئْت فرأيتك فِيهَا بِهَذِهِ الْإِمَارَة، فَيَنْبَغِي لَك أَن تفكر فكر الْآخِرَة، وَتعْتَبر بِأَن الْمُلُوك الْمَاضِيَة الَّذين مضوا قبلك عمروا هَذِه الْمَدِينَة أَكثر مِمَّا عمرت ثمَّ مَاتُوا، فتركوها لمن خَلفهم، فَلَا تغتر بِهَذِهِ الدُّنْيَا الدنية، فَإِنَّهَا غدارة مكارة لَيست بدار أنس وَعمارَة، بل دَار الْعِمَارَة هِيَ دَار الْآخِرَة، فَلَمَّا سمع الْملك هَذَا الحَدِيث نزل عَن تخته وَترك الْإِمَارَة، وَوضع على رَأسه التُّرَاب، واشتغل بِالطَّاعَةِ، وَالتَّوْبَة، والندامة، وَالِاسْتِغْفَار، إِلَى أَن مَاتَ.
روى أَبُو هُرَيْرَة ﵁: أَن رَسُول الله -[ﷺ]- قَالَ يَوْمًا: " يَا أَبَا هُرَيْرَة، تُرِيدُ أَن أريك الدُّنْيَا؟ فَقلت: نعم، فَأخذ بيَدي، وَانْطَلق حَتَّى وقف بِي على رَأس مزبلة فِيهَا رُءُوس الْآدَمِيّين ملقاة، وبقايا عِظَام نخرة، وخرق قد تمزقت وتلوثت بنجاسات الْآدَمِيّين. فَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَة، هَذِه رُءُوس النَّاس الَّتِي ترَاهَا كَانَت مثل رءوسكم مملؤة من الْحِرْص وَالِاجْتِهَاد على جمع الدُّنْيَا، وَكَانُوا يرجون من الدُّنْيَا مَا ترجون، من طول الْأَعْمَار، وَكَانُوا يَجدونَ
1 / 150