قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، نزه رَبك أَن يراك حَيْثُ نهاك، أَو يفقدك حَيْثُ أَمرك.
قَالَ: فَبكى سُلَيْمَان بكاء شَدِيدا، فَقَالَ لَهُ رجل من جُلَسَائِهِ: أَسَأْت إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ. قَالَ لَهُ أَبُو حَازِم: اسْكُتْ فَإِن الله تَعَالَى أَخذ على الْعلمَاء ميثاقهم ليبيننه للنَّاس وَلَا يكتمونه. فَلَمَّا دخل سُلَيْمَان منزله أنفذ إِلَيْهِ جملَة من الدَّنَانِير، فَقَالَ أَبُو حَازِم لرَسُوله: ردهَا إِلَيْهِ، وَقل لَهُ: وَالله مَا أرضاها لَك، فَكيف أرضاها لنَفْسي؟ خُذْهَا فَأَنت المحاسب عَلَيْهَا.
كَمَا حُكيَ أَن هِشَام بن عبد الْملك - كَانَ من خلفاء بني أُميَّة - فَسَأَلَ يَوْمًا أَبَا حَازِم: مَا التَّدْبِير فِي النجَاة من أُمُور الْخلَافَة؟ فَقَالَ: أَن تَأْخُذ كل دِرْهَم من وَجه حَلَال، وَأَن تضعه فِي مَوضِع حق. فَقَالَ: من يقدر على هَذَا؟ فَقَالَ: من يرغب فِي نعيم الْجنان، ويهرب من عَذَاب النيرَان.
وَالثَّانِي مِنْهَا: أَن الله تَعَالَى قَالَ: ﴿إِنَّا جعلناك خَليفَة﴾ (ص ٢٦) يَعْنِي: أَخذنَا الْخلَافَة من الْغَيْر: ثمَّ أعطيناك، فَإِذا لم تُؤَد حق هَذِه النِّعْمَة، وَلم تشكر الله - تَعَالَى - بِمُقَابلَة هَذِه النِّعْمَة، أَخذنَا مِنْك الْخلَافَة وأعطيناها غَيْرك، كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: ﴿وتنزع الْملك مِمَّن تشَاء﴾ " آل عمرَان: ٢٥ ".
فَيَنْبَغِي للملوك أَن يعملوا فِي هَذِه المملكة الْعَارِية الفانية - الْعدْل وَالْعَمَل الصَّالح، ليحصل بِهِ سلطنة المملكة الْبَاقِيَة، وَيكون قصدهم أَلا يَكُونُوا محرومين فِي الدُّنْيَا من الثَّنَاء الْجَمِيل، وَفِي الْآخِرَة من الْأجر الجزيل.
1 / 149