ـ[الدر المصون في علوم الكتاب المكنون]ـ
المؤلف: أبو العباس، شهاب الدين، أحمد بن يوسف بن عبد الدائم المعروف بالسمين الحلبي (المتوفى: ٧٥٦هـ)
المحقق: الدكتور أحمد محمد الخراط
الناشر: دار القلم، دمشق
عدد الأجزاء: ١١
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، وهو ضمن خدمة مقارنة التفاسير]
Unknown page
مصدر بَسْمَلَ، أي قال: بسم الله، نحو: حَوْقَلَ وهيْلَلَ وحَمْدَلَ، أي: قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ولا إله إلا الله، والحمد لله. وهذا شَبيه بباب النحت في النسب، أي إنهم يأخذون اسمَيْن فَيَنْحِتون منهما لفظًا واحدًا، فينسِبون إليه كقولهم: حَضْرَميّ وعَبْقَسيّ وعَبْشَميّ نسبةً إلى حَضْرَمَوْت وعبدِ القَيْس وعبدِ شمس. قال:
٦ - وتضحَكُ مني شَيْخَةٌ عَبْشَمِيَّة ... كَأَنْ لم تَرَيْ قبلي أسيرًا يَمانيًا
وهو غيرُ مقيس، فلا جرم أن بعضهم قال في: بَسْمل وهَيْلل إنها لغة مُوَلَّدَة، [قال الماوردي: يقال لمَنْ قال: بسم الله: مُبَسْمِل وهي] لغةٌ مُوَلَّدة وقد جاءَتْ في الشعر، قال عمر بن أبي ربيعة:
٧ - لقد بَسْمَلَتْ ليلى غداةَ لقِيتُها ... ألا حَبَّذا ذاكَ الحديثُ المُبَسْمِلُ
1 / 13
وغيرُه من أهلِ اللغةِ نَقَلها ولَم يقُلْ إنها مُوَلَّدَة ك ثعلب والمطرِّز.
وبِسْم: جارٌّ ومجرور، والباء هنا للاستعانة كعَمِلت وبالقَدُوم، لأنَّ المعنى: أقرأ مستعينًا بالله، ولها معانٍ أُخَرُ تقدَّم الوعدُ بذكرها، وهي: الإِلصاقُ حقيقةً أو مجازًا، نحو: مَسَحْتُ برأسي، مررْتُ بزيدٍ، والسببية: [نحو] ﴿فَبِظُلْمٍ مِّنَ الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ﴾ [النساء: ١٦٠]، أي بسببِ ظلمهم، والمصاحبة نحو: خرج زيدٌ بثيابه، أي مصاحبًا لها، والبدلُ كقوله ﵇: «ما يَسُرُّنِي بها حُمْرُ النَّعَم» أي بدلها، وكقول الآخر:
٨ - فليتَ لي بِهِمُ قومًا إذا ركبوا ... شَنُّوا الإِغارةَ فرسانًا ورُكْبانا
أي: بَدَلَهم، والقسم: أحلفُ باللهِ لأفعلنَّ، والظرفية نحو: زيد بمكة أي فيها، والتعدية نحو: ﴿ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ﴾ [البقرة: ١٧]، والتبعيض كقول الشاعر:
٩ - شَرِبْنَ بماءِ البحر ثم ترفَّعَتْ ... متى لُجَجٍ خُضْرٍ لهنَّ نَئيجُ
1 / 14
أي من مائه، والمقابلة: «اشتريتهُ بألف» أي: قابلتُه بهذا الثمنِ، والمجاوزة مثلُ قولِه تعالى: ﴿وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السمآء بالغمام﴾ [الفرقان: ٢٥] أي عن الغمام، ومنهم مَنْ قال: لا تكون كذلك إلا مع السؤال خاصة نحو: ﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾ [الفرقان: ٥٩] أي عنه، وقول علقمة:
١٠ - فإنْ تَسْأَلوني بالنساءِ فإنني ... خبيرٌ بأَدْواءِ النساء طبيبُ
إذا شابَ رأسُ المرءِ أو قلَّ مالُه ... فليس له في وُدِّهِنَّ نَصيبُ
والاستعلاء كقوله تعالى: ﴿مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ﴾ [آل عمران: ٧٥] . والجمهورُ يأبَوْن جَعْلها إلا للإِلصاق أو التعديةِ، ويَرُدُّون جميعَ المواضعِ المذكورةِ إليهما، وليس هذا موضعَ استدلال وانفصال.
وقد تُزاد مطَّردةً وغيرَ مطَّردة، فالمطَّردةُ في فاعل «كفى» نحو: ﴿وكفى بالله﴾ [النساء: ٦] / أي: كفى اللهُ، بدليل سقوطِها في قول الشاعر:
١١ -. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ... كفى الشيبُ والإِسلامُ للمرءِ ناهيًا
وفي خبرِ ليس و«ما» أختِها غيرَ موجَبٍ ب إلاَّ، كقوله تعالى: ﴿أَلَيْسَ
1 / 15
الله بِكَافٍ [عَبْدَهُ]﴾ [الزمر: ٣٦]، ﴿وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ﴾ [الأنعام: ١٣٢] وفي: بحَسْبكِ زيدٌ. وغيرَ مطَّردةٍ في مفعولِ «كفَى»، كقوله:
١٢ - فكفى بنا فَضْلًا على مَنْ غيرُنا ... حُبُّ النبيِّ محمدٍ إيانا
أي: كَفانا، وفي البيت كلامٌ آخرُ، وفي المبتدأ غيرَ «حَسْب» ومنه في أحدِ القولين:
﴿بِأَييِّكُمُ المفتون﴾ [القلم: ٦] وقيل: المفتون مصدر كالمَعْقول والمَيْسور، فعلى هذا ليست زائدةً، وفي خبر «لا» أختِ ليس، كقوله:
١٣ - فكُنْ لي شفيعًا يومَ لا ذو شفاعةٍ ... بمُغْنٍ فتيلًا عن سَوادِ بنِ قاربِ
أي: مُغْنيًا، وفى خبرِ كان مَنْفِيَّةً نحو:
١٤ - وإنْ مُدَّتِ الأيدي إلى الزادِ لم أكنْ ... بِأعجلِهم، إذْ أَجْشَعُ القومِ أَعْجَلُ
أي: لم أكنْ أعجلَهم، وفي الحال وثاني مفعولَيْ ظنَّ منفيَّيْنِ أيضًا كقوله:
١٥ - فما رَجَعَتْ بخَائِبَةٍ رِكابٌ ... حكيمُ بنُ المُسَيَّب مُنْتَهاها
1 / 16
وقولِ الآخر:
١٦ - دعاني أخي والخيلُ بيني وبينه ... فلمَّا دعاني لم يَجِدْني بقُعْدَدِ
أي: ما رَجَعَت رِكابُ خائبةً، ولم يَجِدْني قُعْدَدًا، وفي خبر «إنَّ» كقول امرئ القيس:
١٧ - فإنْ تَنْأَ عنها حِقْبَةً لا تُلاقِها ... فإنك ممَّا أَحْدَثَتْ بالمُجَرِّبِ
أي: فإنك المجرِّب، وفي: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ الله﴾ [الأحقاف: ٣٣] وشبهه.
والاسمُ لغةً: ما أبانَ عن مُسَمَّى، واصطلاحًا: ما دلَّ على معنىً في نفسه فقط غيرَ متعرِّضٍ بِبُنْيَتِهِ لزمان ولا دالٍّ جزءٌ من أجزائه على جزءٍ من أجزاء معناه، وبهذا القيدِ الأخيرِ خَرَجت الجملةُ الاسميةُ، والتسميةُ: جَعْلُ ذلك اللفظِ دالًاّ على ذلك المعنى.
واختلف الناسُ: هل الاسمُ عينُ المُسَمَّى أو غيرُه؟ وهي مسألةٌ طويلةٌ، تكلَّم الناسُ فيها قديمًا وحديثًا واستشكلوا على كونه هو المُسَمَّى إضافَتَه إليه، فإنه يلزم منه إضافةُ الشيء إلى نفسِه، وأجاب أبو البقاء عن ذلك بثلاثة أجوبة، أجودُها: أنَّ الاسم هنا بمعنى التسمية، والتسميةُ غيرُ الاسم، لأنَّ التسمية هي اللفظُ بالاسم، والاسمَ هو اللازمُ للمُسَمَّى فتغايرا. الثاني: أنَّ في الكلام حَذْفَ مضافٍ تقديرُه: باسم مُسَمَّى اللهِ. الثالث: أن لفظَ «اسم» زائدٌ كقولِه:
1 / 17
١٨ - إلى الحَوْلِ ثم اسمُ السلامِ عليكما ... ومَنْ يَبْكِ حولًا كاملًا فقد اعتذَرْ
أي: السلام عليكما، وقول ذي الرمة:
١٩ - لاَ يَرْفَعُ الطرفَ إلاَّ ما تَخَوَّنَهُ ... داعٍ يُناديه باسمِ الماءِ مَبْغَومُ
وإليه ذهب أبو عبيدة والأخفش وقطرب.
واختلفوا في معنى الزيادة فقال الأخفش: ليخرجَ من حُكْمِ القسم إلى قَصْدِ التبرُّك «. وقال قطرب:» زيد للإِجلال والتعظيم «، وهذان الجوابان ضعيفان لأنَّ الزيادةَ والحذفَ لا يُصار إليهما إلاَّ إذا اضطُرَّ إليهما.
ومن هذا القَبيلِ - أعني ما يُوهِمُ إضافةَ الشيءِ إلى نفسِه - إضافةُ الاسمِ إلى اللقبِ والموصوفِ إلى صفتهِ، نحو: سعيدُ كُرزٍ وزيدُ قُفَّةٍ ومسجدُ الجامعِ وبَقْلَةُ الحمقاءِ، ولكن النحويين أوَّلوا النوع الأول بأنْ جعلوا الاسمَ بمعنى المُسَمَّى واللقبَ بمعنى اللفظِ، فتقديرُه: جاءني مسمَّى هذا اللفظِ، وفي الثاني جَعَلوه على حَذْفِ مضافٍ، فتقديرُ بقلةِ الحمقاءِ: بقلةُ الحبِّةِ الحمقاءِ، ومسجدُ الجامعِ: مسجدُ المكانِ الجامعِ.
1 / 18
واختلف النحويون في اشتقاقه: فذهب أهلُ البصرة إلى أنه مشتقٌ من السُّمُوِّ وهو الارتِفاعُ، لأنه يَدُلُّ على مُسَمَّاه فيرفعُه ويُظْهِرهُ، وذهب الكوفيون إلى أنه مشتق من الوَسْم وهو العلامةُ لأنه علامةٌ على مُسَمَّاه، وهذا وإنْ كان صحيحًا من حيث المعنى لكنه فاسدٌ من حيث التصريفُ.
استدلَّ البصريون على مذهبهم بتكسيرِهم له على «أَسْماء» وتصغيرهم له على سُمَيّ، لأن التكسير والتصغير يَرُدَّان الأشياء إلى أصولها، وتقولُ العَربُ: فلانٌ سَمِيُّك، وسَمَّيْتُ فلانًا بكذا، وأَسْمَيْتُه بكذا، فهذا يَدُلُّ على اشتقاقه من السموّ، ولو كان من الوَسْم لقيل في التكسير: أَوْسام، وفي التصغير: وُسَيْم، ولقالوا: وَسِيمُك فلانٌ ووَسَمْتُ وأَوْسَمْتُ فلانًا بكذا، فدلَّ عدمُ قولِهم ذلك أنه ليس كذلك. وأيضًا فَجَعْلُه من السموّ مُدْخِلٌ له في البابِ الأكثرِ، وجَعْلُه من الوَسْم مُدْخِلٌ له في الباب الأقلِّ؛ وذلك أن حَذْفَ اللام كثيرٌ وحذفَ الفاءِ قليلٌ، وأيضًا فإنَّا عَهِدْناهم غالبًا يُعَوِّضون في غير محلِّ الحَذْفَ فَجَعْلُ همزةِ الوصل عوضًا من اللام موافقٌ لهذا الأصل بخلافِ ادِّعاءِ كَوْنِها عوضًا من الفاء. فإن قيل: قولُهم «أسماء» في التكسير و«سُمَيّ» في التصغير لا دلالةَ فيه لجوازِ أن يكون الأصلُ: أَوْسَامًا ووُسَيْمًا، ثم قُلِبَتِ الكلمةُ بأَنْ أُخِّرَتْ فاؤُها بعد لامها فصار لفظُ أَوْسام: أَسْماوًا، ثم أُعِلَّ إعلالَ كساء، وصار وُسَيْم سُمَيْوًَا، ثم أُعِلَّ إعلالَ جُرَيّ تصغير جَرْو. فالجوابُ أنَّ ادِّعاء ذلك لا يفيدُ، لأنَّ القَلْبَ على خلافِ القياس فلا يُصارُ إليه ما لم تَدْعُ إليه ضرورةٌ. وهل لهذا الخلافِ فائدةٌ أم لا؟ والجوابُ أن له فائدةً، وهي أَنَّ مَنْ قال باشتقاقِه من العلوِّ يقول: إنه لم يَزَلْ موصوفًا قبل وجودِ الخلق وبعدَهم
1 / 19
وعند فَنائِهم، لا تأثيرَ لهم في أسمائه ولا صفاتِه وهو قول أهل السُّنَّةِ. وَمنْ قال بأنه مشتقٌّ من الوَسْم يقول: كان الله في الأزل بلا اسم ولا صفةٍ، فلما خَلَقَ الخلق جعلوا له أسماءً وصفاتٍ وهو قول المعتزلة، وهذا أشدُّ خطأً من قولِهم بخلق القرآن وعلى هذا الخلافِ وَقَعَ الخلافُ أيضًا في الاسم والمُسَمَّى.
وفي الاسم خمسُ لغاتٍ: «اسم» بضم الهمزة وكسرها، و«سُِم» بكسر السين وضمها. وقال أحمد بن يحيى: «سُمٌ بضم السين أَخَذَه من سَمَوْتُ أسْمُو، ومَنْ قاله بالكسر أخذه من سَمَيْتُ أَسْمي، وعلى اللغتين قوله:
٢٠ - وعامُنا أَعْجبنا مُقَدَّمُهْ ... يُدْعى أبا السَّمْحِ وقِرضابٌ سُِمُهْ
مُبْتَرِكًا لكلِّ عَظْمٍ يَلْحُمُهْ ... يُنْشَدُ بالوجهين، وأنشدوا على الكسر:
٢١ - باسمِ الذي في كلِّ سورةٍ سِمُهْ ... [فعلى هذا يكون في لام» اسم «وجهان، أحدُهما: أنها واو، والثاني: أنها ياء وهو غريبٌ، ولكنَّ] أحمد بن يحيى جليلُ القدر ثقةٌ فيما ينقل. و» سُمَىً «مثل هُدَىً. واستدلُّوا على ذلك بقول الشاعر:
1 / 20
٢٢ - واللهُ أَسْماك سُمَىً مُبارَكًا ... آثرك اللهُ به إيثارَكَا
ولا دليلَ في ذلك لجوازِ أن يكونَ من لغةِ مَنْ يجعله منقوصًا مضمومَ السين وجاء به منصوبًا، وإنما كان ينتهض دليلًا لو قيل: سُمَىً حالةَ رفعٍ أو جَرٍّ.
وهمزتُه همزةُ وصلٍ أي تُثْبَت ابتداءً وتُحْذَفُ دَرْجًَا، وقد تُثْبَتُ ضرورةً كقوله:
٢٣ - وما أنا بالمَخْسوسِ في جِذْمِ مالكٍ ... ولا مَنْ تسمَّى ثم يلتزِم الإِسْما
وهو أحدُ الأسماءِ العشرةِ التي ابتُدِئ في أوائِلها بهمزةِ الوصلِ/ وهي: اسم واست وابن وابنُم وابنة وامرؤ وامرأة واثنان واثنتان وايمنُ في القسم. والأصل في هذه الهمزةِ أن تُثْبَتَ خَطًَّا كغيرِها من همزاتِ الوصل، وإنما حَذَفوها حين يُضاف الاسمُ إلى الجلالةِ خاصةً لكثرة الاستعمال. وقيل: ليوافقَ الخطُّ اللفظَ. وقيل لا حذفَ أصلًا، وذلك لأن الأصل: «سِمٌ» أو «سُم» بكسر السين أو ضمها فلمَّا دخلتِ الباءُ سَكَنَتِ العينُ تخفيفًا، لأنه وقع بعد الكسرة كسرةٌ أو ضمةٌ، [وهذا حكاه النحاس وهو حسن]، فلو أضيف إلى غير الجلالة ثَبَتَتْ، نحو: باسم الرحمن، هذا هو المشهور، وحُكِيَ عن الكسائي والأخفش جوازُ حَذْفِها إذا أُضيفت إلى غيرِ الجلالة من أسماء الباري تعالى نحو: بسمِ ربِّك، بسمِ الخالق.
1 / 21
واعْلم أنَّ كلَّ جار ومجرور لا بُدَّ له من شيءٍ يَتَعَلَّقُ به، فعلٍ أو ما في معناه، إلا في ثلاثِ صور: حرفِ الجر الزائد ولعلَّ ولولا عند مَنْ يجر بهما، وزاد الاستاذ ابن عصفور كافَ التشبيه، وليس بشيء فإنها تتعلَّق. إذا تقرر ذلك ف «بسم الله» لا بدَّ من شيء يتعلق به ولكنه حُذِف.
واختلف النحويون في ذلك، فذهب أهلُ البصرةِ إلى أنَّ المُتَعَلَّقَ به اسمٌ، وذهب أهلُ الكوفة إلى أنه فِعْلٌ، ثم اختَلَفَ كلٌ من الفريقين: فذهب بعضُ البصريين إلى أنَّ ذلك المحذوفَ مبتدأٌ حُذِفَ هو وخبرهُ وبقي معمولُه، تقديره: ابتدائي باسم الله كائنٌ أو مستقرٌ، أو قراءتي باسم الله كائنةٌ أو مستقرة. وفيه نظرٌ من حيث إنه يلزمُ حَذْفُ المصدرِ وإبقاءُ معمولِه وهو ممنوعٌ، وقد نص مكي على مَنْع هذا الوجهِ. وذهبَ بعضُهم إلى أنه خبرٌ حُذِف هو ومبتدؤه أيضًا وبقي معمولُه قائمًا مَقامَه، والتقدير: ابتدائي كائنٌ باسمِ الله، أو قراءتي كائنةٌ باسم الله نحو: زيدٌ بمكةَ، فهو على الأول منصوبُ المحلِّ وعلى الثاني مرفوعُه لقيامِهِ مقامَ الخبر. وذهب بعضُ الكوفيين إلى أنَّ ذلك الفعلَ المحذوفَ مقدَّرٌ قبله، قال: لأنَّ الأصلَ التقديمُ، والتقدير: أقرأُ باسم الله أو أبتدئُ باسم الله. ومنهم مَنْ قدَّر بعده: والتقدير: باسم الله أقرأ أو أبتدئ أو أتلو، وإلى هذا نحا الزمخشري قال: «ليفيدَ
1 / 22
التقديمُ الاختصاصَ لأنه وقع ردًًّا على الكفرة الذين كانوا يبدؤون بأسماءِ آلهتهم كقولهم: باسم اللات، باسم العُزَّى» وهذا حسنٌ جدًا، ثم اعترض على نفسِه بقولِه تعالى: ﴿اقرأ باسم رَبِّكَ﴾ [القلم: ١]، حيث صَرَّح بهذا العامل مُقَدَّمًا على معمولِه، ثم أجاب بأنَّ تقديمَ الفعل في سورة العلق أوقعُ لأنها أولُ سورةٍ نَزَلَت فكان الأمرُ بالقراءة أهمَّ «. وأجاب غيرُه بأنَّ ب» اسم ربك «ليس متعلقًا ب» اقرأ «الذي قبله، بل ب» اقرأ «الذي بعده، فجاء على القاعدة المتقدمة.
وفي هذا نظرٌ لأن الظاهرَ على هذا القول أن يكون «اقرأ» الثاني توكيدًا للأول فيكون قد فَصَلَ بمعمول المؤكِّد بينه وبين ما أكَّده مع الفصلِ بكلامٍ طويل.
واختلفوا أيضًا: هل ذلك الفعلُ أمرٌ أو خبرٌ؟ فذهب الفراء أنه أَمْرٌ تقديرُه: اقرأ أنت باسم الله، وذهب الزجاج أنه خبرٌ تقديره: اقرأ أنا أو أبتَدِئُ ونحوهُ.
و«الله» في «بسم الله» مضافٌ إليه، وهل العاملُ في المضاف إليه المضافُ أو حرفُ الجرِّ المقدَّرِ أو معنى الإِضافة؟ ثلاثةُ أقوال خَيْرُها أوسطُها. وهو عَلَمٌ على المعبودِ بحق، لاَ يُطلق على غيره، ولَم يَجْسُرْ أحدٌ من المخلوقين أن يَتَسَّمى به، وكذلك الإِله قبل النقل والإِدغامِ لا يُطْلق إلا على المعبودِ بحقٍّ. قال الزمخشري: «كأنه صار عَلَمًا بالغلَبة»، وأمّا «إله»
1 / 23
المجردُ من الألف واللام فيُطلق على المعبود بحقٍّ وعلى غيره، قال تعالى: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا﴾ [الأنبياء: ٢٢]، ﴿وَمَن يَدْعُ مَعَ الله إِلَهَا آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ﴾ [المؤمنون: ١١٧]، ﴿[أَرَأَيْتَ] مَنِ اتخذ إلهه هَوَاهُ﴾ [الفرقان: ٤٣] . واختلف الناسُ هل هو مُرْتَجَلٌ أو مشتق؟، والصوابُ الأولُ، وهو أعرفُ المعارف. يُحْكى أن سِيبوِيه رُئيَ في المنام فقيل [له]: ما فعلَ اللهُ بك؟ فقال: خيرًا كثيرًا، لجَعْلِي اسمَه أعرفَ المعارفِ.
ثم القائلونَ باشتقاقِه اختلفوا اختلافًا كثيرًا، فمنهم مَنْ قال: هو مشتقٌّ من لاهَ يليه أي ارتفع، ومنه قيل للشمس: إلاَهة بكسر الهمزة وفتحها لارتفاعها، وقيل: لاتخاذِهِم إياها معبودًا، وعلى هذا قيل: «لَهْيَ أبوك» يريدونَ: للهِ أبوك، فَقَلَب العينَ إلى موضع اللام. وخَفَّفه فَحَذَفَ الألفَ واللامَ وحَذَفَ حرفَ الجرِ. وأَبْعد بعضُهم فَجَعَلَ مِنْ ذلك قولَ الشاعر:
٢٤ - ألا ياسَنا بَرْقٍ على قُلَلِ الحِمى ... لَهِنَّكَ من برقٍ عليَّ كريمُ
قال: الأصلُ: لله إنك كريمٌ عليَّ، فَحَذَفَ حرف الجر وحرف التعريف والألفَ التي قبل الهاء من الجلالة، وسَكَّن الهاءَ إجراءً للوصل مُجْرى الوقف،
1 / 24
فصار اللفظ: لَهْ، ثم أَلقى حركة همزة «إنَّ» على الهاء فبقي: لَهِنَّك كما ترى، وهذا سماجَةٌ من قائلِه. وفي البيت قولان أيسرُ من هذا.
ومنهمَ مَنْ قال: «هو مشتقٌّ من لاه يَلُوه لِياهًا. أي احتجَبَ، فالألف على هذين القولين أصليةٌ، فحينئذ أصلُ الكلمة لاَهَ، ثم دخل عليه حرفُ التعريف فصار اللاه، ثم أُدْغِمت لام التعريف في اللام بعدها لاجتماعِ شروطِ الإِدغام، وفُخِّمت لامُه. ووزنُه على القولين المتقدِّمين إمَّا: فَعَل أو فَعِل بفتح العين أو كسرِها، وعلى كل تقدير: فتحرَّك حرفُ العلة وانفتحَ ما قبلَه فقُلِب ألفًا، وكان الأصلَ: لَيَهًا أو لَيِهًا أو لَوَهًا أو لَوِهًا.
ومنهم مَنْ جَعَلَه مشتقًا من أَلَه، وأَلَه لفظٌ مشترك بين معانٍ وهي: العبادةُ والسكون والتحيُّر والفزع، فمعنى «إله» أنَّ خَلْقَه يعبدونه ويسكنون إليه ويتحيَّرون فيه ويفزعون إليه. ومنه قولُ رؤبة:
٢٥ - لِلَّهِ دَرُّ الغانِياتِ المُدَّهِ ... سَبَّحْنَ واسْتَرْجَعْنَ مِنْ تألُّهي
أي: من عبادتِه، ومنه ﴿وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ﴾ [الأعراف: ١٢٧] أي عبادتك. وإلى معنى التحيُّر أشار أمير المؤمنين بقوله: «كَلَّ دون صِفاته تحبيرُ الصفات وضَلَّ هناك تصاريفُ اللغات» وذلك أن العبد إذا تفكَّر في صفاته تحيَّر، ولهذا/ رُوي: «تفكروا في آلاء الله، ولا تتفكروا في الله» وعلى هذا فالهمزةُ أصلية والألفُ
1 / 25
قبل الهاء زائدةٌ، فأصلُ الجلالة الكريمة: الإِله، كقولِ الشاعر:
٢٦ - معاذَ الإِله أن تكونَ كظبيةٍ ... ولا دُمْيَةٍ ولا عَقِيْلَةٍ رَبْرَبِ
ثم حُذِفت الهمزةُ لكثرةِ الاستعمال كما حُذفت في ناس، والأصل أُناس كقوله:
٢٧ - إنَّ المَنايا يَطَّلِعْ ... نَ على الأُناس الآمِنينا
فالتقى حرفُ التعريفِ مع اللامِ فأُدْغِم فيها وفُخِّم. أو نقول: إن الهمزة من الإِله حُذِفت للنقل، بمعنى أنَّا نَقَلْنا حَرَكتَها إلى لام التعريف وحَذَفْناها بعد نقل حركتها كما هو المعروف في النقل، ثم أُدغم لامُ التعريف كما تقدَّم، إلا أنَّ النقلَ هنا لازِمٌ لكثرةِ الاستعمال.
ومنهم مَنْ قال: هو مشتقٌ من وَلِهَ لكونِ كلِّ مخلوقٍ والِهًا نحوَه، وعلى ذلك قال بعض الحكماء: «الله محبوب للأشياءِ كلها، وعلى ذلك دلَّ قوله تعالى: ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ﴾ [الإسراء: ٤٤]، فأصله: وِلاه ثم أُبدلت الواو همزةً كما أُبدلت في إشاح وإعاء، والأصلُ: وِشاح ووِعاء، فصار الفظُ به: إلاهًا، ثم فُعِل به ما تقدَّم مِنْ حَذْفِ همزتِه والإِدغام، ويُعْزَى هذا القول للخليل، فعلى هذين القولين وزنُ إلاه: فِعال، وهو بمعنى مَفْعول أي: مَعْبود أو متحيِّرٌ فيه كالكِتاب بمعنى مكتوب.
1 / 26
وُردَّ قولُ الخليل بوجهين، أحدهما: أنه لو كانت الهمزةُ بدلًا من واو لجاز النطق بالأصلِ، ولم يَقُلْه أحد، ويقولون: إشاح ووشاح وإعاء ووعاء. والثاني: أنه لو كان كذلك لجُمع على أَوْلِهة كأَوْعِية وأَوشِحَة فتُرَدُّ الهمزة إلى أَصلها، ولم يُجْمع» إله «إلا على آلهة.
وللخليل أن ينفصِلَ عن هذين الاعتراضين بأنَّ البدلَ لزِم في هذا الاسمِ لأنه اختصَّ بأحكامٍ لم يَشْرَكَهْ فيها غيرُه، كما ستقف عليه، ثم جاء الجمع على التزامِ البدل.
وأمَّا الألفُ واللامُ فيترتَّب الكلامُ فيها على كونِه مشتقًا أو غيرَ مشتقٍّ، فإنْ قيل بالأول كانَتْ في الأصل مُعَرِّفةً، وإنْ قيل بالثاني كانت زائدةً. وقد شَذَّ حذفُ الألفِ واللامِ من الجلالة في قولهم» لاهِ أبوك «، والأصل: للهِ أبوك كما تقدم، قالوا: وحُذِفَت الألفُ التي قبل الهاء خَطًَّا لئلا يُشْبَّهَ بخط» اللات «اسم الصنم، لأن بعضهم يقلبُ هذه التاء في الوقف هاءً فيكتُبها هاءً تَبَعًَا للوقف فمِنْ ثمَّ جاء الاشتباه.
وقيل: لئلا يُشَبَّه بخط «اللاه» اسمَ فاعل من لها يلهو، وهذا إنما يَتِمُّ على لغة مَنْ يحذف ياءَ المنقوص المعرَّف وقفًا لأن الخطَّ يتبعه، وأمَّا مَنْ يُثْبِتُها وقفًا فيثبتها خطًَّا فلا لَبْس حينئذ. وقيل: حَذْفُ الألف لغةٌ قليلة جاء الخط عليها، والتُزمَ ذلك لكثرة استعماله، قال الشاعر:
٢٨ - أقبلَ سَيْلٌ كان من أمر اللهْ ... يَحْرِدُ حَرْدَ الجَنَّة المُغِلَّهْ
وحكمُ لامِه التفخيمُ تعظيمًا ما لم يتقدَّمْه كسرٌ فترقّقُ، وإن كان أبو القاسم الزمخشري قد أطلق التفخيمَ، ولكنه يريد ما قلته. ونقل
1 / 27
أبو البقاء أنَّ منهمِ مَنْ يُرَقِّقُها على كل حال. وهذا ليس بشيءٍ لأن العربَ على خِلافِه كابرًا عن كابرٍ كما ذكره الزمخشري. ونقل أهلُ القراءة خلافًا فيما إذا تقدَّمَه فتحةٌ ممالةٌ أي قريبة من الكسرة: فمنهم مَنْ يُرَقِّقها، ومنهم مَنْ يُفَخِّمُها، وذلك كقراءة السوسي في أحدِ وَجْهَيْه: «حتى نَرَى اللهَ جَهْرةً» .
ونقل السهيلي وابن العربي فيه قولًا غريبًا وهو أنَّ الألف واللام فيه أصليةٌ غيرُ زائدةٍ، واعتذرا عن وَصْلِ الهمزةِ بكثرة الاستعمال، كما يقول الخليل في همزةِ التعريف، وقد رُدَّ قولهُما بأنه كان ينبغي أن يُنَوَّن لفظُ الجَلالةِ لأنَّ وزنَه حينئذ فَعَّال نحو: لآَّل وسَآَّل، وليس فيه ما يمنعه من التنوينِ فدلَّ على أنَّ أل فيه زائدةٌ على ماهيةِ الكلمةِ.
ومن غريبِ ما نُقِل فيه أيضًا أنه ليس بعربي بل هو مُعَرَّب، وهو سُريانيُّ الوَضْعِ وأصله: «لاها» فَعَرَّبَتْه العربُ فقالوا: الله، واستدلُّوا على ذلك بقول الشاعر:
1 / 28
٢٩ - كحَلْفَةٍ من أبي رياحِ ... يَسْمَعُها لاهُهُ الكُبارُ
فجاء به على الأصلِ قبل التعريبِ، ونقل ذلك أبو زيد البلخي.
[ومِنْ غريب ما نُقل فيه أيضًا أنَّ الأصل فيه الهاءُ التي هي كنايةٌ عن الغائب] قالوا: وذلك أنهم أثبتوه موجودًا في نظر عقولِهم فأشاروا إليه بالضمير، ثم زِيدَتْ فيه لامُ المِلْك، إذ قد عَلِموا أنه خالقُ الأشياء ومالِكُها فصار اللفظ: «لَهُ» ثم زِيدت فيه الألف واللام تعظيمًا وتفخيمًا، وهذا لا يُشبه كلامَ أهل اللغة ولا النَحْويين، وإنما يشبه كلامَ بعض المتصوفة.
ومن غريب ما نُقل فيه أيضًا أنه صفةٌ وليس باسم، واعتلَّ هذا الذاهب إلى ذلك أنَّ الاسم يُعَرِّفَ المُسَمَّى والله تعالى لا يُدْرَكُ حِسًَّا ولا بديهةً فلا يُعَرِّفُه اسمه، إنما تُعَرِّفه صفاتُه، ولأن العَلَم قائمٌ مقامَ الإِشارة، واللهُ تعالى ممتنعٌ ذلك في حقه. وقد رَدَّ الزمخشري هذا القولَ بما معناه أنك تصفه ولا تَصِفُ به، فتقول: إله عظيم واحد، كما تقول: شيءٌ عظيم ورجلٌ كريم، ولا تقول: شيء إله، كما لا تقول: شيء رجل، ولو كان صفةً لوقع صفةً لغيره لا موصوفًا، وأيضًا فإنَّ صفاتِه الحسنى لا بُدَّ لها من موصوف تَجْري عليه، فلو جَعَلْتَها كلَّها صفاتٍ، بقيت غيرَ جاريةٍ على اسمٍ موصوفٍ بها، وليس فيما عدا الجلالة خلافٌ في كونِه صفةً فَتَعَيَّن أن تكونَ الجلالةُ اسمًا لا صفةً.
والقولُ في هذا الاسم الكريمِ يحتمل الإِطالةَ أكثرَ ممَّا ذكرْتُ لك، إنما اختصرْتُ ذلك خوفَ السآمة للناظر في هَذا الكتاب.
1 / 29
الرحمن الرحيم: صفتان مشتقتان من الرحمة، وقيل: الرحمنُ ليس مشتقًا لأن العربَ لم تَعْرِفْه في قولهم: ﴿وَمَا الرحمن﴾ [الفرقان: ٦٠] وأجاب ابن العربي عنه بأنهم جَهِلوا الصفةَ دونَ الموصوفِ، ولذلك لم يقولوا: وَمَنْ الرحمن؟ وقد تَبِعا موصوفَهما في/ الأربعةِ من العشرة المذكورة.
وذهب الأعلمُ الشنتمريُّ إلى أن «الرحمن» بدلٌ من اسمِ الله لا نعتٌ له، وذلك مبنيٌّ على مذهبه من أنَّ الرحمن عنده عَلَمٌ بالغلَبة. واستدَلَّ على ذلك بأنه قد جاء غيرَ تابعٍ لموصوفٍ، كقوله تعالى: ﴿الرحمن عَلَّمَ القرآن﴾ [الرحمن: ١-٢] ﴿الرحمن عَلَى العرش استوى﴾ [طه: ٥] . وقد رَدَّ عليه السُّهيلي بأنه لو كان بدلًا لكان مبيَّنًا لِما قبله، وما قبله - وهو الجلالة - لا يفتقرُ إلى تبيين لأنها أعرفُ الأعلامِ، ألا تراهم قالوا: ﴿وَمَا الرحمن﴾ [الفرقان: ٦٠] ولم يقولوا: وما اللهُ. انتهى. أمَّا قوله: «جاء غيرَ تابع» فذلك لا يمنعُ كونَه صفةً، لأنه إذا عُلم الموصوفُ جاز حَذْفُه وبقاءُ صفتِه، كقولِه تعالى: ﴿وَمِنَ الناس والدوآب والأنعام مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ﴾ [فاطر: ٢٨] أي نوع مختلف، وكقول الشاعر:
٣٠ - كناطحٍ صخرةً يومًا لِيُوْهِنَها ... فلم يَضِرْها وأَوْهَى قرنَه الوَعِلُ
أي: كوعلٍ ناطح، وهو كثير.
1 / 30
والرحمة لغةً: الرقةُ والانعطافُ، ومنه اشتقاق الرَّحِم، وهي الابطنُ لانعطافِها على الجنين، فعلى هذا يكون وصفُه تعالى بالرحمة مجازًا عن إنعامِه على عبادِه كالمَلِك إذا عَطَف على رعيَّته أصابَهم خيرُه. هذا معنى قول أبي القاسم الزمخشري. ويكونُ على هذا التقدير صفةَ فعلٍ لا صفةَ ذاتٍ، وقيل: الرحمة إرادةُ الخيرِ لمَنْْ أرادَ اللهُ به ذلك، ووَصْفُه بها على هذا القولِ حقيقةٌ، وهي حينئذ صفةُ ذاتٍ، وهذا القولُ هو الظاهرُ.
وقيل: الرحمة رِقَّةٌ تقتضي الإِحسانَ إلى المرحومِ، وقد تُستعملُ تارةً في الرقة المجردة وتارةً في الإِحسان المجرَّد، وإذا وُصِف به الباري تعالى فليس يُراد به إلا الإِحسانُ المجردُ دونَ الرقةِ، وعلى هذا رُوي: «الرحمةُ من الله إنعامٌ وإفضالٌ، ومن الآدميين رقةٌ وتعطُّف» .
[وقال ابن عباس ﵄: «وهما اسمان رقيقان أحدهما أرقُّ من الآخر أي: أكثرُ رحمة» . قال الخطَّابي: وهو مُشْكِلٌ؛ لأن الرقة] لا مَدْخَلَ لها في صفاتهِ. وقال الحسين بن الفضل: «هذا وَهْمٌ من الراوي، وإنما هما اسمان رفيقان أحدهما أَرْفَقُ من الآخر والرفق من صفاته» وقال ﵊: «إن الله رفيقٌ يحبُّ الرِفقَ، ويُعطي عليه ما لا يُعْطي
1 / 31