قلت: المراد بإثبات إظهاره صحة الإمامة، وموالاة الإمام ومبايعته، ومتابعته ومناصرته، وذلك لا ينافي اعتقاد عدم الكمال، ولا يستلزم اعتقاد صحة الإمامة، وكذلك فالمراد بالنافي من يظهر عدم صحة الإمامة، ويفتي به، ويتسم بسمته من المباينة للداعي والمجانبة، وعدم الملائمة والمصاحبة، وذلك لا يستلزم اعتقاد نقصان الداعي، وعدم كمال الشرائط فيه، ولا ينافي به معرفة كماله وجمعه لوظائف الصلاح وخلاله، فارتفع الإشكال.
وأما القسم الأول: وهو أن يكون المثبت والنافي مصيبين معا، بعد فرض المسألة قطعية، والبناء على أن أدلتها معلومة يقينية، فهو مما تتبادر الأوهام إلى تعذره وامتناعه، وعدم صحته وإمكانه، ولذلك بنى مثبتو الإمامة في زماننا هذا على تخطئة النافي، بل تفسيقه ولعنه واعتزال الصلاة خلفه، لا يخطر ببال أحد منهم حمل النافي على السلامة فيما أقدم عليه، بناء منهم على أن سلامته من الخطأ مما لا سبيل إليه، وإن علموا من حال النافي تحفظه في الديانة، وتمسكه فيما كلفه بالأمانة.
وكذلك فنفاة الإمامة لا يكادون يحملون المثبتين لها على السلامة، وإن كان تحاملهم أهون، وعريكتهم ألين، وإذا بينا إمكان إصابة المثبت والنافي معا انهدمت هذه القاعدة، واتضح لك عظم نفع هذه الفائدة، وتبين لك أن أكثر الناس عار عن التحقيق، سالك بنيات(1) الطريق قد استعبدته العصبية، واستهوته الحمية، وعند أن يتلقى ما ألقيته بالقبول، ويعرض على ما تسترجحه العقول ويؤكده المنقول، تزول بعون الله الشحناء بين الفريقين، وتكون هذه النكتة لمتوخي الإصابة في هذه المسألة قرة عين، ويرجعون إن شاء الله تعالى إخوانا، ويكونون على الحق أعوانا.
Page 304