وأما أمر الإمامين فإنه مظنة للتشاجر والتفاخر ولا عصمة مانعة، وليست التصرفات المقصودة منها بيسيرة، ولا مقصورة على أشياء معينة.
وأقول وبالله التوفيق: إني لم أزل أنظر في هذه المسألة، وأتأمل الأمر فيها برهة من الزمان، فإذا نظرت إلى الأمر المقصود بنصب الإمام من مصالح الإسلام، فمن البعيد المتعسر أن يتمكن إمام واحد من النظر في أمور المسلمين ومصالح الدين في جميع النواحي والأقطار والبوادي والأمصار، ومن منابذة الظالمين في جميع الأوقات، وهذا أمر يعلم بالاضطرار ولا يتهيأ فيه إنكار، وهل من قام بالديار اليمنية مثلا يتمكن من تدبير أمور الشام والعراق ومصر والهند والصين ونحوها؟ فإذا حكمنا بأنه لا يجوز أن يقوم في جميع الأرض غير إمام وحده فما يكون علمه؟ وليس مبلغ قطره، ولقد خبرنا هذا الأمر فوجدنا الإمام لا يكاد يحكم التصرف فيما غاب عنه ولو مسافة يوم أو يومين مع وجود الأعوان والكفاة، فكيف بقطر تكون مسافته شهور كثيرة، ودونه البحار والمهامه والقفار، ويقوى عندي أنه لا أقل من تعدد الأئمة بالنظر إلى الأقطار المتباعدة، وأنه لا بأس بأن يقوم إمام في الديار اليمنية، وإمام آخر في العراق، وإمام آخر بالجيل والديلم، وعلى هذا في غيرها فإن الذي يخاف منه التشاجر واختلاف الآراء مأمون مع هذا التباعد القاطع للأخبار، والإطلاع للأغلب، مع كون المفروض أن كل داع إلى الله تعالى ومنخرط في سلك الأئمة الهداة قاصدا لوجه الله تعالى، لا للملكة والرئاسة، وأن الغرض المقصود المطلوب إحياء دين الله تعالى، والنظر في مصالح المسلمين، ومنابذة الظالمين، ولقد كنت شديد العجب من غفلة الأصحاب عن هذا المعنى، وللنظر فيه، وتطابق آرائهم ونصوصهم في مصنفاتهم على خلافه، وردهم مذهب الناصر وما نقل عنه مع وضوح صوابه، وانكشاف وجه القوة فيه، وتمسكهم في ذلك بتلك الحجج الضئيلة، والأدلة الضعيفة، والدعاوي التي لا حاصل لها ولا تعويل عليها.
Page 135