129

Durr Manzum

الدر المنظوم الحاوي لأنواع العلوم

قلت: والعجب منه حيث قضى بأن الإجماع السكوتي في المسائل القطعية يكون قطعيا مع احتمال كون السكوت المشار إليه لغير ما ذكره، والحوامل الممكنة كثيرة، وهذا من المجازفة والغلو في أمر الإجماع والاعتساف، واحتجوا بما روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم : «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما» (1)، وبما روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم : «من دعى إلى نفسه أو إلى غيره وهناك إمام فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين»، وهذان الخبران دلالتهما صريحة إلا أنهما أحاديان والمسألة قطعية، واحتجوا بأن الأمة بعد الصدر الأول حالا بعد حال لم يقيموا إلا واحدا، لم يعلم منهم نصب اثنين في عصر واحد، وهذا إجماع منهم وتأكيد للإجماع الأول.

ويرد عليه أن عدم فعلهم إياه لا يدل على امتناعه إنما يدل على عدم وجوبه، واحتج المجيزون له بالقياس على الأنبياء" والقضاة والأوصياء ونحو ذلك من الولايات، التي مرجعها إلى التصرف على الناس.

وعن الناصر عليه السلام أنه قال: لا خلاف أن الله تعالى قد بعث أنبياء في عصر واحد، وكذلك حكم الأئمة، كان إبراهيم ولوط [عليما السلام] في عصر واحد، وإسماعيل وإسحاق عليهما السلام في عصر واحد، وموسى وهارون عليهما السلام في عصر واحد، وداود وطالوت وأشمويل في عصر واحد، ويحيى وعيسى [عليهما السلام] في عصر.

قلت: ولعل للمانعين أن يجيبوا بأن القياس غير صحيح، أما الأنبياء عليهم السلام فلعصمتهم والأمن من منازعتهم، ولأن ذلك بوحي من السماء، فنقطع بأنه الأصلح وأنه لا مفسدة فيه.

وأما الأوصياء والحكام فليس أمرهم يقضي في العادة إلى تنازع ولا تشاجر، فالقاضيان لا يزيد كل واحد منهما على أن يقضي بين المترافعين إليه بما يصح لديه، والوصيان لا يزيد حالهما في التصرف في مال الصغير، على تصرف المشتركين في مال لهما، والشركة مشروعة ولا خلل فيها.

Page 134