Durūs al-Shaykh ʿUmar al-Ashqar
دروس الشيخ عمر الأشقر
Genres
قصة موسى مع سحرة فرعون
عندما نزل موسى إلى ميدان العراك ليثبت صدق رسالته أمام الجماهير المحتشدة التي حشدها الطاغية فرعون وجنده من مختلف البقاع في الميدان الكبير، ووقف موسى وأمامه السحرة: ﴿قَالَ يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى * قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى * فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى * فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى﴾ [طه:٦٥ - ٧٠].
كم احتاج هذا ليتحول السحرة من أعوان الطاغية الذين يعتمد عليهم لإثبات أن موسى كاذب وليس برسول؟ وأنه لا يوجد إله لهذا الكون غير فرعون، ليصبحوا نموذجًا يحتذى في تاريخ البشرية؟ هذا هو التغيير والتحول المطلوب من الإنسان، أن يصبح مؤمنًا بهذا المعنى، أن يتولى الله ﵎، ويعترف به إلهًا وسيدًا وملكًا، وحاكمًا وربًا مطاعًا، يطأطئ رأسه له، ويرفع رأسه أمام غيره، ولا يخضع لغيره إلا بمقدار ما يأمره ربه أن يخضع له، كأن يكون رسولًا يتبعه، أو أن يكون حاكمًا يحكمه بكتاب الله: ﴿فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى * قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ﴾ [طه:٧٠ - ٧١]، قال فرعون الذي كان قبل قليل قد جاء بهم ليبطلوا ما جاء به موسى وقالوا له: ﴿أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ﴾ [الشعراء:٤١]، فيقول: ﴿نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ [الأعراف:١١٤]، يقولون: ﴿آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى * قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى * قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ﴾ [طه:٧٠ - ٧٢]، أيُّ إيمان حل في قلوبهم؟! وأي سكينة نزلت عليهم؟! ما الذي غيرهم؟! ما الذي بدلهم؟! ما الذي هز كيانهم؟! إنه إيمان تغلغل في أحشائهم، كانوا يعرفون السحر وألاعيبه، فوجدوا أن ما جاء به موسى ليس سحرًا، وليس في إمكانية البشر، وليس في قدرة البشر، إنها قدرة من خلق البشر، إنه ليس من النوع الذي يملكه البشر، لقد تغير كيانهم، وهز نفوسهم، فأصبحوا أنموذجًا في تاريخ البشرية ﴿قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [طه:٧٢ - ٧٣].
24 / 6