Durūs al-Shaykh Muḥammad Ismāʿīl al-Muqaddim
دروس الشيخ محمد إسماعيل المقدم
Genres
التوبة من الغيبة
روى الضياء في الأحاديث المختارة بإسناد صحيح عن أنس بن مالك ﵁ قال: (كانت العرب يخدم بعضهم بعضًا في الأسفار، وكان مع أبي بكر وعمر ﵄ رجل يخدمهما، فاستيقظا ولم يهيئ لهما طعامًا، فقال أحدهما لصاحبه: إن هذا لا يوائم نوم بيتكم)، يعني: وجدوا أن هذا الخادم تأخر في النوم أو أطال النوم حتى استيقظا ولم يكن قد أعد الإفطار أو الطعام، فقالا: إننا الآن في حالة سفر، والإنسان في السفر لا يتمادى في تعاطي راحة البدن؛ لأن حالة السفر تحتاج نوعًا من الأهبة والاستعداد، والإنسان لا يتصرف كأنه في بيته، فمعناه: أن النوم يكون خفيفًا، فقالا: (إن هذا لا يوائم -يعني: يوافق- نوم بيتكم) أي: أنه نائم نومًا واحدًا سواء كان قاعدًا في البيت أو مسافرًا، (فأيقظاه فقالا: ائت رسول الله ﷺ فقل له: إن أبا بكر وعمر يقرئانك السلام، وهما يستأدمانك)، يعني: يطلبان منك الإدام، والإدام هو كل ما أكل به الخبز، فلما ذهب الرجل وأخبر الرسول ﵊ قال: (قد ائتدما، ففزعا، فجاءا إلى النبي ﷺ، فقالا: يا رسول الله! بعثنا إليك نستأدمك، فقلت: قد ائتدما، فبأي شيء ائتدمنا؟ فقال: بلحم أخيكما، والذي نفسي بيده إني لأرى لحمه في أنيابكما -وفي رواية: ثناياكما- قالا: فاستغفر لنا قال: هو فليستغفر لكما) أي: صاحب الحق.
فالإنسان إن كان لابد مصرًا أن يعصي الله ﷾ فليختر معصية يسهل عليه أن يتوب منها، لكن عند أن تختار معصية تتعلق بحق الغير فمعنى ذلك أنه لن تبرأ ذمتك إلا أن يسامحك هذا الشخص، وإذا لم يسامحك فسترد القيامة وفي عنقك حق العباد؛ لأن المعصية إذا كانت بينك وبين الله فإذا تبت إلى الله فالله يقبل التوبة عن عباده، أما إذا كانت المعصية في حق من حقوق العباد فلابد أن تستحل من صاحبها، وإما أن يستوفي حقه منك، والعملة هناك في الآخرة ليست الدينار ولا الدرهم، إنما هي الحسنات والسيئات، فيأخذ من حسناتك حتى يقضي عليها، فإذا لم يبق معك حسنات يؤخذ من سيئاته فتطرح عليك، فلماذا الإنسان يتعب في العبادة ويتعب في الحفظ والصيام والأعمال الصالحة ثم يجدها في ميزان الآخرين؟! فلذلك سماه النبي ﷺ: المفلس.
الشاهد أيضًا من هذا الحديث قول النبي ﵊: (قد ائتدما) والخطاب موجه إلى الاثنين، مع أن واحدًا منهما هو الذي تكلم، فنسب الوزر إليهما جميعًا.
إذًا: القاعدة: أن مستمع الغيبة والمغتاب شريكان في الإثم والوزر.
يقول الشاعر: وسمعك صن عن سماع القبيح كصون اللسان عن النطق به فإنك عند سماع القبيح شريك لقائله فانتبه
6 / 11