Duroos by Sheikh Al-Uthaymeen
دروس للشيخ العثيمين
Genres
لمن تكون الأضحية؟
الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها، ولكن لمن تكون الأضحية؟ الأضحية في الحقيقة مشروعة للأحياء وليست للأموات، فإن النبي ﷺ ضحى عنه وعن أهل بيته، والصحابة ﵃ كان الرجل يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته، ولم أعلم إلى ساعتي هذه أن النبي ﷺ ضحى لأحد من أمواته، فقد مات له أقارب من أعز الناس عليه؛ استشهد عمه حمزة في أحد، وماتت زوجته خديجة، وماتت بناته وأولاده ما عدا فاطمة ولم يضحِ عن أحد منهم أبدًا، ولم أعلم إلى ساعتي هذه أن أحدًا من الصحابة ضحى عن أحد من أمواته، فلم يكن من هدي الرسول ﵊، ولا من هدي أصحابه إفراد الميت بالأضحية، ومن وجد شيئًا من هذا -أي: وجد أن الرسول ﵊ أو أن أحدًا من أصحابه ضحوا عن الميت- فليسعفنا به فإنا له شاكرون، ولما ثبت من شرع الله تعالى منقادون إن شاء الله، لكن لا يمكن أن يجد.
إذًا: فالأصل في مشروعية الأضحية أن تكون عن الأحياء لا عن الأموات، الأضحية عن الميت لم ترد في سنة الرسول ﵊ ولا في هدي الصحابة ﵃، ولهذا اختلف العلماء هل تشرع أو لا تشرع؟ فقال بعض العلماء: إنها ليست بمشروعة، وقال آخرون: بل هي كالصدقة، فقاسوها قياسًا على الصدقة، لأنهم لم يجدوا لها أصلًا في السنة فقاسوها على الصدقة، ولا شك أن الصدقة جاءت السنة بجوازها، فقد جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال: (يا رسول الله! إن أمي افتتلت نفسها وإنها لو تكلمت لتصدقت، أفأتصدق عنها؟ قال: نعم).
واستأذنه سعد بن عبادة ﵁ أن يتصدق بمخرافه، أي: بنخله لأمه وقد ماتت، فأذن له، أما أن أحدًا من الصحابة ضحى عن ميت، أو استأذن النبي ﷺ أن يضحي عن ميت فهذا لم يرد، والأضحية عن الميت تنقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: أضحية أوصى بها الميت، فهنا نعمل بها، ونضحي له؛ لأننا نضحي من ماله ومن وصيته، وهذه الأضحية لا إشكال فيها؛ لأنها تنفيذ أمر أوصى به الميت واكتسبه في حياته بما أوصى به.
القسم الثاني: أن يضحى عن الميت تبعًا، مثل أن يضحي الإنسان عنه وعن أهل بيته وينوي كل أقاربه الأحياء والأموات فهذا أيضًا جائز، ويمكن أن يقال: إن قول الرسول ﵊: (اللهم إن هذا عن محمد وآل محمد) يشمل الحي والميت منهم، ولكن الميت هنا دخل تبعًا لا استقلالًا، والشيء الذي يتبع ليس كالشيء الذي يستقل.
القسم الثالث: أن يضحى للميت استقلالًا بدون وصية، فهذا هو ما ذكرته لكم بأنه لا دليل فيه من السنة؛ لا عن رسول الله ﷺ، ولا عن خلفائه الراشدين أنهم ضحوا لأحد من الأموات استقلالًا بدن وصية، وإذا قلنا: إن الأضحية للأحياء وليست للأموات إلا تبعًا، فهل مطلوب من أهل البيت أن يضحي كل واحد منهم عن نفسه؟
الجواب
لا.
السنة أن يضحي رب البيت عمن في البيت، لا أن كل واحد من أهل البيت يضحي، ودليل ذلك أن رسول الله ﷺ ضحى بشاة واحدة عنه وعن أهل بيته، وقال أبو أيوب الأنصاري ﵁: (كان الرجل على عهد النبي ﷺ يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته) ولو كان مشروعًا لكل واحد من أهل البيت أن يضحي لكان ذلك ثابتًا في السنة، ومعلوم أن زوجات الرسول ﵊ لم تقم واحدة منهن تضحي اكتفاء بأضحية النبي ﷺ.
فإن قال قائل: لعل ذلك لفقرهم؟ فالجواب: إن هذا احتمال وارد لكنه غير متعين، بل إنه جاءت الآثار بأن من أزواج الرسول ﵊ من كانت غنية.
وهاهي أم المؤمنين عائشة ﵂ جاءت بريرة إليها تستعينها في قضاء دين كتابتها، بريرة أمة اشترت نفسها من أسيادها بتسع أواق من الفضة، والأوقية أربعون درهمًا، فتكون التسع الأواق ثلاثمائة وستين درهمًا، فجاءت تستعين أم المؤمنين عائشة قالت: أعينيني، فقالت: عائشة لها: [إن أحب أهلك أن أعدها لهم ويكون ولاؤك لي فعلت] أي: أن أنقدها لهم نقدًا وهذا يدل على أنها كان عندها مال.
أتدرون كم نحصل من الغنم في ثلاثمائة وستين درهمًا، كم نحصل؟ أي كم تساوي الشاة في ذلك الوقت؟ تساوي والله أعلم عشرة دراهم، ودليل ذلك: أن النبي ﷺ في مسألة الجبران في الزكاة قال: (إنه يعطي معها شاتين إن استيسرتا لها أو عشرين درهمًا) وهذا يدل على أن الشاة في ذلك الوقت تساوي عشرة دراهم، إذًا: فالحصول على الأضحية في ذلك الوقت متيسر ومع ذلك لم يكن كل واحد من أهل البيت يذبح أضحية.
وفي عهدنا الآن لما أيسر الله على الناس صار بعض أصحاب البيوت يضحي كل فرد بأضحية، ولعلهم يظنون هذا من جنس زكاة الفطر؛ لأن زكاة الفطر فرض على كل واحد، فهم يظنون أن الأضحية -والله أعلم- تشبه زكاة الفطر مطلوبة من كل واحد، وليس كذلك.
5 / 5