عَن ابْن عبد الْبر مُصَرحًا باسمه غَالِبا، وَقد رَاجعه كثيرا فِي أَسمَاء الْأَعْلَام وَفِي جَوَانِب مُخْتَلفَة من مَادَّة سيرته وآرائه، وَهُوَ دَائِما يُنَوّه بِهِ، حَتَّى إِذا أنهى كِتَابه وَأخذ فِي ذكر أَسَانِيد الْكتب الَّتِي استقي مِنْهَا سيرته أَو كِتَابه قَالَ: "مَا كَانَ فِيهِ عَن أبي عمر فَمن كتاب الدُّرَر فِي اخْتِصَار الْمَغَازِي وَالسير وَهُوَ مِمَّا رويته عَن وَالِدي ﵀ عَن شَيْخه أبي الْحُسَيْن مُحَمَّد بن أَحْمد بن السراج، عَن خَاله أبي بكر بن خير، عَن أبي الْحجَّاج الشنتمري، عَن أبي على الغساني، عَنهُ". وَمعنى ذَلِك أَن نقُوله عَن سيرة ابْن عبد الْبر مَأْخُوذَة عَن نُسْخَة منسوبة مُسندَة تناقل رِوَايَتهَا عَن مؤلفها شُيُوخ ثِقَات، مِمَّا يرفع من قيمتهَا وَمن دَرَجَة توثيقها، ونظن ظنا أَن نسختنا الَّتِي نعنى بنشرها قد أخذت عَن تِلْكَ النُّسْخَة الَّتِي تحولت من الأندلس إِلَى مصر مَعَ وَالِد ابْن سيد النَّاس: مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله الإشبيلي نزيل الْقَاهِرَة. وَقد يكون ابْنه كتب مِنْهَا نُسْخَة لنَفسِهِ ذاعت فِي النَّاس، أَو لَعَلَّ نُسْخَة أَبِيه هِيَ الَّتِي ذاعت عَن طَرِيق تلاميذه المصريين. وَإِنَّمَا يدفعنا إِلَى هَذَا الظَّن أَن نُصُوص نسختنا تتطابق مَعَ نُصُوص النقول الَّتِي اقتبسها ابْن سيد النَّاس من الْكتاب، حَتَّى فِيمَا يَبْدُو فِيهِ الْغَلَط أَو التَّصْحِيف، فَمن ذَلِك مَا جَاءَ فِي خبر دُخُول بني هَاشم وَبني الْمطلب فِي الشّعب ومنابذة قُرَيْش لَهُم إِذْ وَردت هَذِه الْعبارَة: "ليسلموا رَسُول اللَّه ﷺ برمتِهِ إِلَى قُرَيْش" فِي نسختنا وَكَذَلِكَ فِي ابْن سيد النَّاس ١/ ١٢٧ والرمة: الْحَبل وَيُرَاد بهَا هُنَا الْعَهْد، وَيُمكن أَن تكون مصحفة عَن لَفْظَة "بِذِمَّتِهِ". وَفِي نفس الصفحة فِي ابْن سيد النَّاس وَفِي نسختنا قد آن لكم أَن ترجعوا عَمَّا أحدثتم علينا وعَلى أَنفسكُم". وصححت كلمة أحدثتم فِي هَامِش نسختنا بِكَلِمَة "أَخَذْتُم" وَهِي أدق مِنْهَا فِي السِّيَاق وكأنما حدث فِي الْكَلِمَة تَصْحِيف.
وَقد كثرت نقُول ابْن سيد النَّاس عَن سيرة ابْن عبد الْبر كَثْرَة مفرطة، وَهِي تلقانا مُنْذُ مفتتحها وَحَدِيثه عَن خبر مبعث الرَّسُول ﷺ، إِذْ يلتقي بِهِ فِي كثير من الْأَحَادِيث النَّبَوِيَّة الَّتِي سَاقهَا فِي خبر المبعث "قَارن بِابْن سيد النَّاس فِي ١/ ٨٠ وَفِي مَوَاضِع مُتَفَرِّقَة" وَأَيْضًا فِي كثير من الْأَحَادِيث المنثورة فِي ثنايا الْكتاب. وَلَا نصل إِلَى حَدِيث ابْن عبد الْبر عَن المجاهرين بالظلم لرَسُول الله وَلكُل من آمن بِهِ حَتَّى نجد ابْن سيد النَّاس ينْقل عَنهُ هَذَا الحَدِيث فِي ١/ ١١٠ مُصَرحًا باسمه، كَمَا ينْقل عَنهُ فِي ١/ ١١٣ الْفَقْرَة الَّتِي خصها بالمستهزئين بالرسول. وَلَا يلبث ابْن عبد الْبر أَن يعْقد بَابا يذكر فِيهِ الْهِجْرَة إِلَى أَرض الْحَبَشَة، ويتابعه
1 / 18