Durar
الدرر في اختصار المغازي والسير
Investigator
الدكتور شوقي ضيف
Publisher
دار المعارف
Edition Number
الثانية
Publication Year
١٤٠٣ هـ
Publisher Location
القاهرة
عَلَّمَنَا اللَّهُ وَمَا أَمَرَنَا بِهِ نَبِيُّنَا ﷺ كَائِنًا فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ، فَلَمَّا جَاءُوهُ وَقَدْ دَعَا النَّجَاشِيُّ أَسَاقِفَتَهُ وَنَشَرُوا مَصَاحِفَهُمْ حَوْلَهُ سَأَلَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ: مَا هَذَا الدِّينُ الَّذِي فَارَقْتُمْ فِيهِ قَوْمَكُمْ وَلَمْ تَدْخُلُوا بِهِ فِي دِينِي وَلا فِي دِينِ أَحَدٍ مِنْ هَذِهِ الْمِلَلِ؟ قَالَتْ: فَكَانَ الَّذِي كَلَّمَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ، نَعْبُدُ الأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ إِلَى الْجَارِ١ وَيَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ. كُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ ﷿ إِلَيْنَا رَسُولا مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصدقه وأمانته وأمانته وعفافه، فَدَعَا [نَا] ٢ إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ وَنَخْلَعُ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنَ الْحِجَارَةِ وَالأَوْثَانِ. وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَحُسْنِ الْجِوَارِ وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنِ الْفَوَاحِشِ وَقَوْلِ الزُّورِ وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدُ اللَّهَ لَا٣ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَأَمَرَنَا بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ. قَالَتْ: فَعَدَّدَ [عَلَيْهِ٤] أُمُورَ الإِسْلامِ. وَقَالَ: فَصَدَّقْنَاهُ وَآمَنَّا بِهِ، وَاتَّبَعْنَاهُ عَلَى مَا جَاءَ لَهُ عَنِ اللَّهِ ﷿، فَعَبَدْنَا اللَّهَ وَحْدَهُ وَلَمْ نُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَحَرَّمْنَا مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا، وَأَحْلَلْنَا مَا حَلَّلَ لَنَا. فَعَدَا عَلَيْنَا قَوْمُنَا فَعَذَّبُونَا وَفَتَنُونَا عَنْ دِينِنَا، لِيَرُدُّونَا إِلَى عِبَادَةِ الأَوْثَانِ [مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ] وَأَنْ نَسْتَحِلَّ مَا كُنَّا نَسْتَحِلُّ مِنَ الْخَبَائِثِ. فَلَمَّا قَهَرُونَا وَظَلَمُونَا وَضَيَّقُوا عَلَيْنَا وَحَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ دِينِنَا خَرَجْنَا إِلَى بَلَدِكَ وَآثَرْنَاكَ عَلَى مَنْ سِوَاكَ، وَرَغِبْنَا٥ فِي جِوَارِكَ، وَرَجَوْنَا أَنْ لَا نُظْلَمَ عِنْدَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ. قَالَتْ: فَقَالَ: هَلْ مَعَكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ عَنِ اللَّهِ شَيْءٌ؟ قَالَ جَعْفَرٌ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ: فَاقْرَأْهُ عَلَيَّ. فَقَرَأَ عَلَيْهِ: ﴿كهيعص﴾ . قَالَتْ: فَبَكَى النَّجَاشِيُّ حَتَّى وَاللَّهِ اخْضَلَّتْ٦ لِحْيَتُهُ، وَبَكَتْ أَسَاقِفَتُهُ حَتَّى اخْضَلَّتْ لِحَاهُمْ٧ حِينَ سَمِعُوا مَا يُتْلَى٨ عَلَيْهِمْ. فَقَالَ النَّجَاشِيُّ: إِنَّ هَذَا وَالَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى٩
_________
١ فِي ابْن هِشَام وَغَيره: ونسيء الْجوَار.
٢ زِيَادَة من ابْن هِشَام وَغَيره.
٣ فِي ابْن هِشَام: وَلَا.
٤ زِيَادَة من ابْن هِشَام.
٥ فِي الأَصْل ور: فرغبنا.
٦ فِي الأَصْل ور: أخضل. واخضلت: نديت وابتلت.
٧ فِي ابْن هِشَام وَغَيره: مصاحفهم.
٨ فِي ابْن هِشَام: تَلا.
٩ فِي النويري: عِيسَى.
1 / 136