Durar Hisan Fi Carabistan

Cabd Masih Antaki d. 1341 AH
61

Durar Hisan Fi Carabistan

الدرر الحسان في إمارة عربستان: وترجمة مولانا صاحب العظمة سردار أرفع معز السلطنة الشيخ «خزعل خان» أمير المحمرة وحاكمها ورئيس قبائلها

Genres

ومن المعلوم أن أكبر أمير شيعي في العراق بجملتها هو عظمة السردار أرفع معز السلطنة الشيخ خزعل خان أمير عربستان، ومنذ تربع على عرش الإمارة أولى الشيعيون وجوههم شطر عظمته وانصرفوا إليه بآمالهم، وفي الوقت نفسه كان موضع احترام وإجلال المسلمين السنيين أيضا، وهكذا اجتمعت قلوب الفريقين على حبه وعقدوا خناصرهم على احترامه لأنهم رأوا فيه من الإنصاف ما لم يروا بعضه من الحكومة التركية؛ ولذلك كان واسطة العقد الذي جمع قلوب العراقيين من سنيين وشيعيين بعد أن نثرها الأتراك نثرا بالتفريق بينهم.

وهكذا يرى الباحث في حالة العراق الاجتماعية عظمة السردار أرفع بتلافي شرور الانقسام المذهبي التي كانت تثيرها الحكومة التركية، كما كان يرى في القصر الخزعلي العامر علماء الشيعة والسنة يتصافحون، وسادات الفريقين يتصافون، وأعيان القبيلين يتحابون، بينما يسمع ويرى في البصرة وبغداد وما بينهما من الفيافي والبلاد رعاع القومين في خصام دائم وشغب ملازم، والحكومة تدس دسائسها بين هؤلاء وهؤلاء باطنا وتنصر فريقا على فريق ظاهرا.

وكانت الحكومة التركية في العراق تنظر شزرا إلى عظمة السردار أرفع لهذه الحكمة التي كان يبديها لتوحيد كلمة العراقيين؛ لأن اتحادهم لم يكن من مصلحتها؛ شأن الدولة الغربية الظالمة التي يهولها اتحاد رعاياها المتغلبة عليهم؛ مخافة أن يتفقوا عليها وينهضوا لمناقشتها الحساب، وكان هذا من أكبر أسباب الخلاف بينها وبين عظمته نصره الله.

ولعمري كيف ترضى حكومة الأتراك في البصرة وبغداد عن عظمة السردار أرفع وهي ترى سادات وعلماء وأعيان السنة يتسابقون إلى المحمرة حيث يجتمعون في نادي عظمته مع سادات وعلماء وأعيان الشيعة، ويخرجون جميعا من حضرته وهم بنعمة الله إخوان متصافون؟

وفي سنة 1911 دخلت العراق وتجولت فيه من البصرة إلى بغداد، ولو لم يعترضني ناظم باشا الجركسي والي بغداد وقائد العراق وقتئذ ويعيدني أدراجي لبلغت الموصل، وقد شاهدت في كل الأرجاء التي زرتها من الحب والاحترام في نفوس الشيعيين والسنيين لعظمة السردار أرفع، وإجماعهم على تقدير مجهوداته الطيبة في سبيل العرب والإسلام، ما أفتخر وأستبشر بإثباته هنا. وأعتقد أن حب القوم واحترامهم لهذا المليك العظيم سيهيئ للعراق مستقبلا عظيما يتجدد معه مجد العراق وفخار العرب بعد هذه الحرب المستعرة اللهب. وحكمة عظمة السردار أرفع تتكفل بنوال بعيد الآمال، إن شاء الله تعالى؛ إذ إنه أيده الله هو الأمير الوحيد الذي يركن إليه المسلمون من شيعيين وسنيين، فضلا عن احترام اليهود والنصارى لعظمته الملوكية لما عهدوه من آيات عدله وفضله.

طائفة من جيوش المحيسن عمومة عظمة السردار أرفع.

ولا حاجة لبيان ما هو جلي للعيان فلا يحتاج إلى برهان، من أن عظمة السردار أرفع، حفظه الله وأبقاه وأكبت عداه، هو أخلص المخلصين لدولة العدل والفضل صديقة العرب الصدوق بريطانيا العظمى. وعظمته، حفظه الله، في مقدمة الأمراء الحاصلين على ثقتها لأنها عرفته عربيا صادقا بعربيته، لا يعمل إلا لمصلحة العرب، ولا يشتغل إلا لخيرهم، ولا يجاهد إلا في سبيل تجديد مجدهم على علم وسعة إدراك وسداد رأي.

نعم، إن عظمة السردار أرفع يعلم حق العلم (ويعمل بما يعلم) بأن بريطانيا العظمى هي أكبر دولة إسلامية؛ لأن علمها المنصور يضم نيفا ومائة وخمسين مليونا من المسلمين الموحدين، ويعلم أن كل هؤلاء المسلمين المستظلين بظلال العلم الإنكليزي الوارف الظلال متمتعين بحريتهم الدينية، وراتعين ببحابح الأمن، وحاصلين على إثراء عظيم بفضل عنايتها في تعمير ممالكها ومستعمراتها، ويعلم فوق هذا ما يعلمه كل منصف من أن من أقدس مبادئ الدولة العادلة الإنكليزية الإبقاء على قوميات رعاياها وحكوماتهم واحترام أديانهم وعوائدهم والعمل على توفير أسباب الرقي والإثراء لهم. وعلمه بحقائق السياسة الإنكليزية هذه جعله وهو عربي يغار على قومه من أصدق أصدقائها، وفي مقدمة محبيها ومريديها؛ لأنه، حفظه الله، يرى، ورأيه الصواب، أن العرب لا تقوم لهم قائمة إلا بمعاونة بريطانيا العظمى والإخلاص لها سرا وجهرة. كيف لا وهي الدولة المنادية بصداقة العرب الذين لا غنى لهم عن معاونة دولة عظيمة عادلة شفوقة مثلها إذا حاولوا استرجاع مجدهم وطمعوا بإصلاح بلادهم وتعميرها؟!

وعندما حصلت ألمانيا على امتياز سكة حديد بغداد الكبرى أخذت تدس دسائسها في العراق، ولا سيما بعد الدستور العثماني وانتهاء السيادة للفتيان الاتحاديين، على أن الدساسين الألمانيين وجدوا من عظمة السردار أرفع رجلا حازما لا تغره خزعبلاتهم، وعزيمة قاهرة تحول دون مطامعهم، وبفضل سهره وانتباهه أقصى عن العراق نفوذهم، بالرغم عما كانوا ينفقونه في هذا السبيل من الأموال والمساعي.

وعندما أعلنت الحرب العامة سنة 1914 كان لبريطانيا العظمى 12 قطعة حربية في خليج فارس من مسقط حتى المحمرة، وهذا القسم من الأسطول الإنكليزي العظيم كان راسيا في الخليج الفارسي منذ سنة 1908 للسهر على راحة جنوب إيران الداخل ضمن منطقة نفوذ بريطانيا العظمى، وبفضله أمنت سواحل الخليج مع الإمارات العربية من المداخلات الألمانية التركية. ومن المضحكات المبكيات أن الأتراك طلبوا وقتئذ، مع أنهم كانوا محايدين، من حكومة إيران وإمارة عربستان الاعتراض على بريطانيا العظمى لوجود قسم من أسطولها في سواحل خليج فارس؛ ليخلو لهم الجو في مياهه، فأجابهم عظمة السردار أرفع وقتئذ جوابا بمنتهى الحكمة والسداد، فقال: عندما تخرجون جوبن وبرسلو المركبين الألمانيين من مياه الدردنيل نتبصر في الأمر.

Unknown page