بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الكتاب: دُرَرُ الحِكَمِ لأبي منصور الثعالبي
المؤلف: أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي النيسابوري
(المتوفى ٤٢٩ هـ)
الناشر: دار الصحابة - طنطا
الطبعة الأولى - ١٤١٦ هـ - ١٩٩٥ م
عدد الأجزاء: ١
تنبيه:
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
جَزَى اللَّهُ كَاتِبَهُ وَمَنْ تَحَمَّلَ نَفَقَةَ الْكِتَابَةِ خَيرَ الجَزَاءِ وَأَوفَاهُ.
1 / 18
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ
قال رسول الله ﷺ: "ما اكتسَبَ أحدٌ أفَضَلَ من عقْلٍ يهدْيه إلى هُدًى ويردُّه عن رَدًى". (١)
قيل لـ "بُهْلول": أًتَعُدُّ المجانين؟ قال: ها يطُولُ ولكني أعدُّ العُقَلاء!
قال "ابن زُرَارة": جالس العُقلاء أعْداءَّ كانوا أم أصدقاء، فالعقل يقعُ على العقْلِ.
قيل لحكيم: من أنعمُ النَّاس عيشًا؟ قال: من: كُفىَ أمر دنياه، ولم يهْتَمْ لآخرته.
قيل: ثلاث من كنَّ فيه استكمل الإيمان: من إذا غضب لم يخرجه غضبُهُ عن الحق، ومن إذا رضى لم يخرجْهُ رضاه إلى الظلم، ومن إذا قدَرَ لم يتناول
_________
(١) حديث موضوع. أخرجه الحارث بن أبي أسامة (٨٢١) زوائد الحارث، فيه داود بن المحبر، المتهم بوضعه، وأنظر كلام العراقي في المعنى (١/٨٣)، وابن عراق (١/٢١٢) في تنزيه الشريعة [الدار] .
1 / 19
قيل: أربعٌ من الشَّقاوةِ: جمودُ العيْنِ، وقساوة القلب، والإصرار على الذَّنْب، والحرص على الدنيا.
قيل: ثمانية إن أهينوا فلا يلوموا إلا أنفسهم: الجالسُ على مائدة لم يُدْع َإليها، والمتأمَّرُ على رَبَّ البيْت، وطالب الخير من أعدائه، وطالب الفضل من اللئام، والداخل بين أثْنين من غير أن يُدخلاهُ، والُمسْتَخَفُّ بالسُّلطان، والجالسُ مجلسًا ليس بأهل، والمقبلُ بحديثه على من لا يسمع منه.
قيل: اثنان يهون عليهما كل شيء: العالم الذي يعرف العواقب والجاهل الذي لا يدرْي ما هو فيه.
قيل: شيئان ينبغي للعاقل أن يحذرهما: الزَّمانُ، والأشرارُ.
قيل: شيئان يُدبَّران الناس: القضاءُ، والرَّجاءُ.
يقال: فسادُ أكثر الأُمور من خصْلَتَيْن: إذاعة السر، وائتمان أهل الغدر.
قال: علي ﵁: من استطاع أن يمنع نفسه من أربع خصال فهو خليق أن يَنْزل به مكروهٌ: اللَّجاجُ، والعَجَلةَ، والتوانى والعُجب؛ فثمرة اللَّجاج: الحيْرةُ، وثمرة العجلة: الندامة، وثمرة التَّوانى: الذَّلَّةُ، وثمرة العُجْبِ: البغْضةُ.
قال رسول الله - صلوات الله علية وسلامه: "اعتد بحوائجك الصباح الوجوه، فإن حُسْنَ الصورة أولُ نعمةٍ تلقاك من الرَّجُلِ". (١)
_________
(١) حديث موضوع. أخرجه ابن أبي الدنيا (٥٢)، (٥٤) في قضاء الحوائج، وأبو نعيم (٣/١٥٦) في الحلية، والحرجاني (ص/٣٨٥) في تاريخه، وابن حبان (١/٢٤٨) في المجروحين، وأنظر الكلام عليه في السلسلة الضعيفة (١٤٩١) للألباني، ومجمع الزائد (٨/١٩٤) للهيثمي، اللآلي المصنوعة (٢/٤١) للسيوطي، الميزان (١/٣٤٢٧، ٤٠٠٨، ٥١٣٦) للذهبي.. [الدار] .
1 / 20
قال "سعيدُ بن العاص": موطنان لا أعتر من العىِ فيهما: إذا سألتُ حاجة لنفسي، وغذا كلَّمتُ جاهلًا.
قيل: صار "الفضلُ بن الربيع" إلى "أبي عباد" في نكبته يسألهُ حاجة فارتج عليه؛ فقال: يا أبا العباس، بهذا اللسان خدمْتَ خَليِفَتيْنِ، فقال: إنَّا تعودنا أن نُسأل وللا نسألُ.
قال رجل لآخر: لقد وضع منك سؤالك، فقال: لقد سأل "موسى" و"الخضْرُ" أهل قرية فأبوا أن يُضيَّوهُما، فوالله ما وضع هذا من نبي الله وعالِمِهِ، فكيف يضعُ مني؟!
قيل: لـ"زُرْعَةَ": متى تعلمت الكديَة والسؤال؟، قال: يوم ولدتُ منعتُ الثدي فبكيت، وأعطيته فسكتُّ.
قيل: اللُّطفُ في المسألة أجدى من الوسيلة.
قصد "أبو الحسن الوراق" "سيف الدوْلةِ" في جملة الشعراء، فناوله درجًا يُوهمُ أن فيه شعرًا، فنشره سيف الدولة وقال: ليس فيه شيء،
1 / 21
فقال: سيدنُا يكتب لعبده فيه شيئًا؛ فضحكك وأمر له بجائزة.
سأل أعرابيُ "عبد الملك" فقال له: سل الله، فقال: قد سألتُهُ فأحالنى عليك، فضحك وأعطاه.
[قال] حاتم الطائي:
أًماوِىَّ إنَّ المال غادٍ ورائح
ويبقى من المالِ الأحاديث والذَّكرُ.
لما انهزم "أُميَّةُ بن عبد الله" لم ير الناس كيف يهنئونه!؛ فدخل "عبد الله بن الأهتم" فقال: الحمد لله الذي نظر لنا عليك، ولم ينظر لك علينا، وقد تقدمت الشهادة بجهدك، فعلم الله حاجة الإسلام إليك فأبقاك له.
للحطيئة لما حبسه "عمر" ﵁ بسبب "الزَّبرقان":
1 / 22
ماذا تقولُ لأَفْراخٍ بذى فَرَخٍ
حُمْرِ الحواصِلِ لا ماءٌ ولا شَجَرُ
ألقيتَ كاسبَهُمْ في قعر مُظْلمَةٍ
فاغفر عليكَ سلامُ الله يا عُمَرُ
[وقال] "البحتري":
وما هذه الأًيَّامُ إلًاَّ مَنَازِلٌ
فَمِنْ مَنْزِلٍ رحْب إلى مَنْزلٍ ضنكِ
وقد هذَّبَتكَ النَّائباتُ وإنَّما
صفَا الذَّهبُ الإبريزُ قبلكَ بالسَّبْكِ
أما في رسول الله "يُوسف" اُسوةٌ
لمثلكَ محبُوسًا على الظُّلم والإفكِ
أقام جميل الصبَّر في السَّجْنِ بُرْهةً
فآل بهِ الصَّبرُ الجميلُ إلى المُلك
قال "العُتْبىَّ" سألت أعرابيًا عن الهوى فقال: هو أظْهَرُ من أن يخْفى، وأخفْى من أن يُرى، فهو كالنار الكامنة في الحجر الأًكْدرَ، إن قدحتهُ أورى، وإن تركتهُ توارى.
قال بعض الفلاسفة: لم أر حقًا أشبه بباطل، وباطلًا أشبه بحق من العشق، هزلُهُ جدُّ، وجدُّهُ هَزْلٌ، أوَّلُهُ لعبٌ، وآخرُهُ عَطَبٌ.
قيل لحكيم: ما المنفعةُ في الولد؟ فقال: يُستْعْذبُ به العيشُ، ويهون به
1 / 23
الموتُ.
قيل: لاعبن ابنك سبلعًا، وعلَّمْهُ سبعًا، وجالس به إخوانك سبعًا، بَيْنٌ لك أخْلفَ هو بعدك أم خلَف.
قال "جعفر بن محمد": البناتُ حسناتٌ، والبنون نعمٌ، فالحسناتُ مثابُ عليها، والنعم مسئولٌ عنها.
قيل لبعض الزُّهَّاد: لو تزوجت فربما يكون لك ولد، قال:
كفى بالتزهيد فيه قول الله تعالى: ﴿أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾ .
قيل ليعض الصيادين: ما أكثر ما يقع في شبكتك؟ فقال: الطُّيرُ الزَّاقُّ؛ فقيل: هلك المُعيُونَ.
عيَّر رجل ابنه بأُمه، فقال: هي والله خيرٌ لي منك، لأنها أحسنت لي الاختيار فولدتني من حُرَّ، وأَسأْت الاختيار فولدتني من أمة.
قال رسول الله ﷺ: "الوالدُ بابٌ من أبواب الجَّنة فاحفظ ذلك الباب". (١)
قال رجل لابنه: يا بُنىَّ.. ما أطسب الثكل، قال: اليُتْمُ أطيب منه يا أبتى!
مد أعرابيٌ رجلًا فقال: ذالك من شجر لا يُخْلفُ ثمره، ومن ماء لا يخافُ كدرُه.
_________
حديث صحيح. أخرجه الترمذي (١٩٠١)، وأحمد (٥/١٩٦)، (٦/٤٤٥)، والطيالسي (٢/٣٤)، وابن حبان (٢٠٢٣)، والحاكم (٤/١٥٢) وصححه، وأقره الذهبي. [الدار]
1 / 24
[قال] "حبيب بن أوس الطائي":
فُرُوعُ لا تَرِفَّ عليكَ إلا
شَهِدْتَ لَها على طيبِ الأرُوم.
وفي شَرَفِ الحَديِثِ دَليلُ صدْقٍ
لمُخْتبر على الشَّرف القَديم
قال النبي صلوات الله عليه وسلامه - من خطبة خطبها على ناقته العضباء: "أيها الناس..... كأن الحقَّ فيها على غيرنا وجبَ، وكأن الموت فيها على غيرنا كُتبَ، وكأن من نُشَيَّعُ من الأموات سفْرٌ عما قليل إلينا راجعون، نُبَّوئُهمُ أجداثَهُمْ نأكلُ تراثهم كأنَّا مخلدون بعدهم". (١)
قال علي ﵁: إنكم في أجل محدود، وأمل ممدود، نفس معدود، ولابد أن يتناهي.
وللأمَلِ أنْ يُطْوى، وللنَّفس أن يُحصى.
أنشد "العُتبىُّ" وقد وقف بمقبرة:
سقيًا روعيا لأقوامٍ لنا سَلَفُوا
أَفْناهُمُو حدثَانُ الدًّهْرِ والأَبَدُ
_________
(١) حديث ضعيف، اخرجه أبو نعيم (٣/٢٠٢) في الحلية، وابن عدى (١/٣٨٤)، (٧/٨١) في الكامل، وابن حبان (١/٩٧) في المجروحين، والبراز كما في المجمع (١٠/٢٢٩)، وأنظر الكلام على أسانيده في تنزيه الشريعة (٢/٣٢٢)، والميزان (٧٩٨٣)، ولسان الميزان (٤/٤١٨) . [الدار]
1 / 25
نمدُّهًمْ كلَّ يومٍ من بَقيَّتنا
ولا يؤوبُ إلينا منهُمُ أحدُ
قال رجل لأبي الدرداء: ما بالنا نكرهُ الموت؟ فقال: لأنكم أخربْتُمْ آخرتَكُمْ، وعمَّرتُمْ دُنياكمْ، فأنتم تكْرهُون أن تُنْقلُوا من العُمران إلى الخراب.
قيل: لما دَنفَ "المأمون" أمر أن يُفرش له جُلٌ وجعل يتمرَّغُ فيه ويقول: يا من لا يزول مُلْكُهُ، أرحم من قد زال مُلْكُهُ.
قال رسول الله ﷺ: "لا تُظْهر الشماتَةَ بأخيك، فيعافه الله ويبتْليك". (١)
قال أمير المؤمنين علي ﵁ لرجل أصيب في ولده: إن صبرت جرى عليك القدرُ وأنت مأجورٌ، وإن جزعْتَ جرى عليك القدر وأنت مأزورلإ.
قيل في قوله الله تباارك وتعالى: ﴿هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾ أي في السلطان والسَّفَلِ.
قال "حسانُ بن ثابت" ل "الحرث بن أبي شمر الغساني:
أبيت الَّلعْنَ ... إن النُّعمان بن المنذر يُساميك، ووالله إن قَفَاك أحسن من وجهه، وشمالك خير منيمينه، وإن عدَتَكَ أحضرُ من نقده، وغَدَكَ أوسعُ من يومه، وكرسيك أرفع من سريره، وأمك أشرفُ من أبيه.
قيل: كان "لعبد الله بن عمير" سبعون ذكرًا كلهم يطيقون حمل السلاح.
تفاخر رجلان وتراضيا بأبي العيناء فحكَّماهُ، فقال: أنتما كما قال الشاعر:
_________
(١) حديث ضعيف. أخرجه الترمذي (٢٥٠٨)، أبو نعيم (٥/١٨٦) في الحلية، والخطيب (٩/٩٦) في تاريخه، وأنظر الكلام عليه في: المغنى (٣/١٨٤) للعراقي، الفوائد (٢٦٥) للشوكاني، واللآلى (٢/٢٢٨) للسيوطي، وتنزيه الشريعة (٢/٣٦٩) لأبن عراق [الدار]
1 / 26
حِمَارا عَبَادِىَّ إذا قِيلَ نَبَّنا
بشرَّهما يَوْمًا يَقُولُ كلاهُما
[وقال] شاعر:
إذا كُنتَ لا تُرجى لدَفْعِ مُلمَّةٍ
ولم يَكُ في المعرُوفِ عنْدكَ مَطْمعُ
ولا أنْتَ ممن يُستعانُ بجاهه
ولا أنْتَ يوم الحشْرِ مِمَّنْ يُشفَّعُ
فعيشُكَ في الدُّنيا وموتُكَ واحدٌ
وَعُودُ خلالٍ من وصالك أنْفَعُ
قيل لبرز جمهر: ما السعادة؟ قال: أن يكون للرجل ابنٌ واحدٌ، فقيل: الزواحد يُخشى عليه الموت. قال: لمْ تًسألْنى عن الشَّقاوة.
غضب رجلٌ على مولاه فقال: أسألُك بالله إن عملت أني لك أطْوَعُ منك لله، فاعف عني عمفا الله عنك، فعفا عنه.
دخل ذو ذنْبٍ على سُلطان فقال: بأي وجه تلقاني، فقال: بالوجه الذي ألقى به الله وذُنُبي إليه أكثرُ، وعقابُهُ أكبر، فعفا عنه.
قيل: استعمالُ الِحْلمِ مع اللئيم، أضرُّ من استعمال الجهْلِ مع الكريم.
ومنه قول أبى الطيب:
وَوَضْعُ النَّدى في موْضِعِ السَّيْفِ بالعُلا
مُضرٌّ كَوضَعِ السًّيْفِ في موْضعِ النَّدى
1 / 27
قيل: أجعل لكل كلب كلبًا يهر دونك، فالعرْضُ لا يُصانُ بمثل سقيهٍ يصُولُ، وحادٍ يقول.
قيل: العدوُّ عدوان، عَدُوٌّ ظلمتهُ، وعدو ظلمك؛ فإن اضطرك الدَّهرُ أن تستعين بأحدهما فاستعن بالذي ظلمك، فإنه أحرى أن يُعينك، لأن الذي ظلمتهُ موتورٌ.
قلت: والظالمُ أقوى على الإعانةِ من المَظْلُومِ.
قيل: لا يُتَّى العدوُّ القوىُّ بمثل الخضوع له، فإن الريح العاصف يقْلعُ الأشجار لتأبَّها، ويسلمُ منه النَّبات للينه.
[وقال] "ابن نُبَاتَة السَّعدى":
وإذا عَجَزْتَ عن العَدُوّ فدَاوِهِ
وامزُج له إنَّ المزاج وِفَاقُ
فالنَّارُ بالماءِ الذي هو ضدُّها
تُعطي النَّضاج وطَبْعُها الإحْرَاقُ
قيل: ليس بعد العداوة الجَوْهَريَّة صُلحٌ وإن اجُتهد، فليس لبماء - وأن أطيل إسخانُهُ - بُممْتَنِعٍ من إطفاء النار إذا صُب عليها.
دخل [عثمان] على اين مسعود ﵄ عائدًا فقال:
ما تشتكي؟ قال: ذنوبي. فقال: وما تشْتهِي؟ قال: رحمه ربي، فقال: ألا
1 / 28
ندعو لك طبيبًا، فقال: ما منعتني قبل اليوم فلا حاجة لي فيه اليوم. قال: فدعه لعيالك. قال إني علمتهم شيئًا إذا راعَوهُ لم يفْتقروا، سمعت رسول الله ﷺ يقول: "من قرأ كل يومٍ وليلةٍ الواقعةَ لم يفتقر أبدًا". (١)
دخل "بمَختيشُوع" على "يحيى بن خالد" بعقبِ حُمَّى فقال له: توقَّ فإن حُمَّى ليلة تأثيرها في البدن سنة، وعنده وكيعٌ، فقال: صدق، فقال يحيى: ما أقْرب تصْديقَكَ إياهُ، فقال: قال النبي ﷺ: "حُمى ليلة كفًاّرةُ سنةٍ" (٢)؛ فعلمت أن هذا كما قال.
كتب "علي بن القاسم. بلغني من حال رمدٍ عرض لهُ ما أظلم ناظرى، وأرمد خاطرى، وأذهلني عن كُلَّ مٌهمًّ، وصغَّر في عيني كل مُلمٍ.
[قال] عبد الله بن المعتز:
قال: اشتكتْ عينُهُ، فقُلْتُ لَهُمْ:
من كثْرَةِ القتْلِ مسَّها الوصبُ
حُمْرتُها من دماء منْ قَتَلَتْ
والدَّمُ في النَّصل شاهدٌ عَجَبُ
_________
(١) حديث ضعيف. أخرجه أبو يعلى، وابن أبي أسامة كما في المطالب (٣٧٦٥)، والبيهقي (٢٤٩٨)، (٢٤٩٩)، (٢٥٠٠) في شعب الإيمان، وابن السنى (٦٧٤) في عمل اليوم والليلة، أنظر الكلام عليه في: السلسلة الضعيفة (٢٩١)، المغنى (٢٤٦)، المشكاة (٢١٨١) للتبريزى. [الدار]
(٢) حديث ضعيف. أخرجه القضاعي في مسنده "الشهاب" كما في المغنى (٤/٢٨١) للعراقي، وقال: من حديث ابن مسعود بسند ضعيف.
قلت: وضعه الذهبي في الطب النبوي (ص ١٥٥)، وقال ابن القيم (٣٤ص) في "الطب النبوي": روى في أثر لا أعرف حاله.
وأخرجه موقوفًا من لاكم أبي الدرادء، البيهقي (٩٨٦٩) في الشعب بسند فيه ضعف [الدار]
1 / 29
قال طبيب لمريض: لا تأكل السمكَ ولا اللحمَ، فقال: لو كانا عنْدي ما مرضْتُ!!
مرض أمير المؤمنين "علي" ﵁ فدخل إليه الناس فقالوا كيف تجدُكَ؟ قال: بشرًّ، قالوا: هذا كلام مثْلكً، فقال: أجل إن الله يقول: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾ فالخيرُ: الصحة، والشرُّ المرضُ.
خرج صفي الله يطوف بالمدينة ليلًا فمر بامرأةٍ من نساء جُنْدهِ وهي تقولُ:
تطاوَلَ هذا اللَّليلُ وازورَّ جانبُهْ
وأرَّقنى إلاَّ ضجيعٌ ألاعبُهْ
فوالله لولا الله والنارُ بَعْدَهُ
لحرك من هذا السَّرير جوانبُهْ
ثم تنفَّسًتْ وقال: هان على ابن الخطاب وحْشتي في بيْتيِ، وغيَبْة زوجي عني؛ فلما أصْبحَ بَعَثَ إليها نفقةً وكتب إلى عاملهِ بردَّ زوْجها، ثم سأل ابنَتَهُ حَفْصةَ:
كم تصبر المرأةُ عن الرَّجل؟ فقالت: أربعةُ أشهرٍ.
قال "جاليُنوسُ" من كان له رغيف فليجعل نصفه في النرجس، فإنه راعى الدماغ، والدَّماغ راعى العقل.
قال "الحسين بن علي" ﵄: جاءني رسول الله - صلوات الله عليخ وسلامه - وبكلتى يديهْ وردةٌ، وقال: "إنهُ سيَّدُ رياحين أهل الجنة
1 / 30
ما خلا الآس". (١)
ذكر البطيخُ فقال بعضهم: هو فاكهةٌ وأدْمٌ، وحَلْواء، وأَشْنَانُ، وعِنْدَ العَدَمِ قعب للمُدَامِ، ويُطلى به في الحَّمام، وبه فًسَّر أزكى طعامٍ.
قال رسول الله ﷺ: "ما من رجل يغْرسُ غرْسًا، أو يَزْرَعُ زَرْعًا فيأكلُ منْهُ إنسان أو طائر أو بهيمة إلا كان له به صَدَقَةً". (٢)
قال رسول الله ﷺ "أكْرموا النَّخْلَةَ فإنها عمتُكُمْ". (٣)
وصف "خالد بن صفوان" النخْلَ فقال: هُن الراسخات في الوحْل، المُطْعمات في الَمحْلِ، تخرج أسفْاطًا عظامًا، وأوساطًا كأنها مُلئتْ رياطًا، ثم تتَفرَّى عة قضبان الُّجين منْطُومةً بالؤلؤ الزينِ، فيصيرُ ذهبًا أحْمرَ منظْومًا بالزَّبرْجد الأخْضرِ، ثم يصيرُ عسلًا في لحاء مُعلقًا في الهواء.
ذكر التفاح في حضْرة "المأمون" فقال: في التُّاح الصفرةُ الدُّرَّيَّةُ، والحُمْرةُ الذَّهبيَّةُ، وبياض الفضَّة، ونورُ القمرِ، يلذها من الحواسَّ ثلاث: العْينُ بلونها، والأنف بعرفْها، والفمُ بطعْمها.
_________
(١) حديث ضعيف جدًا. أخرجه البيهقي (٥٦٠٤) في شعب الإيمان، والطبراني في الأوسط، وأبو تعيم في "الطب النبوي"، والديلمى (٣٤٨٢) في الفردوس [الدار] .
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٣/١٣٥)، ومسلم (١٥٥٣)، وأحمد (٣/١٤٧، /٢٩٩، ٢٣٤)، والترمذي (١٣٨٢)، والدارمى (٢/٢٦٩) في سننه، والبيهقي (٦/١٣٧، ١٣٨) في سننه الكبرى [الدار] .
(٣) حديث موضوع. أخرجه العقيلى (٤/٢٥٦) في الضعفاء الكبير، وابن عدى (٦/٤٣١) في الكامل، وأبو يعلى، كمت في المجمع (٥/٣٩، ٨٩)، وابن أبي حاتم، وأبن السنى، وأبو نعيم كلاهما في "الطب النبوي" كما في الدر المنثور (٤/٢٦٩)، وأنظر الكلام عليه في السلسة الضعيفة _٢٦٣) . [الدار] .
1 / 31
قال رسول الله ﷺ: "رفُعَ عن أُمَّتي الخطأ والنسيانُ". (١)
[قال] أحمد بن أبي قين:
أحِينَ كَثَّرتَ حُسَّادى وساءَهُمُ ... جميِلُ صنُعْك بي أَشْمتَّ حُساّدي
فإن تكن هَفْوة أو زلَّه عرضَتْ ... فأًنْتَ أَوْلى بتَقْوِيمي وإرشادى
انقطع "عبد الملك" عن أصحابه، فانتهى إلى أعرابي فقال:
ما تقولُ في عبد الملك؟ قال: ظالمٌ جارٌ بارٌ، فقال: ويحك، أنا عبد الملك، فقال: لا حياك الله ولا بيَّاك، أكلتَ مال الله وضيعت حرنتهُ، فقال له: ويْحَكَ أنا اضُرُّ وأنْفعُ، قال: لا رزقني الله نفْعك ولا آمنني ضركَ! فلما وصل إليه خيْلُهُ علم صدقهُ، فقال: يا أمير المؤمنين، أعزَّ الله بك الدين، أكتم على ما جرى؛ فالمجالسُ بالأمانة.
غضب "عبد الملك" على رجل فلما أتى به قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فقال: لا سلم الله عليك، فقال الرجل:
ما هكذا أمر الله إنما قال: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ فعفا عنه.
أتى "معنُ بن زائدة" بأسرى فأمر بضرب أعناقهم، فقام غلام منهم
_________
(١) حديث صحيح. أخرجه ابن ماجه (٢٠٤٥)، والحاكم (٢/١٩٨) وصححه وأقره الذهبي، وابن حبان (٩/١٧٤) من حديث ابن عباس.
وأخرجه الطبراني (١٤٣٠) في الكبير من حديث ثوبان، وفيه ضعيف. وروى عن أبيذر، وابن عمر، وأبي بكرة، وأم الدرداء، وأنظر: إرواء الغليل (١/١٢٣، ١٢٤) . [الدار] .
1 / 32
وقال: ناشدتُك الله. ألا تقلتنا ونحن عطاش، فقال: أسقوهم، فلما شربوا قال: ناشدتُك الله ألا تقتل ضيفانك؛ فخلى سبيلهم.
قال "المأمون" لأحمد بن أبي خالد وهو يخْلُفُ الحسن بن سهلٍ: رأيت أن أستوزِرك لها الولىُّ، ويخافنى بها العدو، فما بعد الغابات إلا الآفاتُ.
قيل: إذا أقْبلت الدنيا على إنسان أعارتْهُ محاسن غيره، وإذا أدْبرتْ عنه سلبتْهُ محاسن نَفْسِهِ!!
قال "ابن المقَفَّع": كثْرةُ المنى يُخْلقُ العقْل، ويطرد القناعة، ويُفسدُ الحس.
قال بعض الصوفية: إن العنايات لا تضر معها الجنايات.
[قال] محمد بن أمية:
أقْطَعُ الدَّهْرَ بظَنٍ حسنٍ وأُجلَّى كربةَّ لا تنْجلى
كلَّما أمَّلتُ صالحًا عرض المكروهُ دون الأمل
وأرى الأيّام لا تُدْنى الذى أرتجى منك وتُدنْى أجلى
قعد "ابن أبي عتيق" يومًا وقال: ليت لنا لحمًا فنطبخ "سكباجًا" فما لبث أن جاءهُ جارٌ بصحفة فقال: أًعْطُونا قليل مرق، فقال: جيراننا يشمون رائحة الأمانى.
قال رسول الله ﷺ: "أخْوفُ ما أخافُ على أُمَّتي: الهوى، وطُولُ الأمل، أما تالهوى فيعدلُ عن الحقَّ، وأمَّا طُولُ الأملِ فيُنسي الآخرةَ". (١)
_________
(١) حديث ضعيف جدًا. أخرجه ابن عدى (٥/١٨٥) في الكامل، وفي سنده علي بن أبي علي اللهبي من المتروكين، وقد صح موقوفًا من قول علي بن أبي طالب ﵁. [الدار] .
1 / 33
قدم وفد بنى تميم على "عبد الملك" وفيهم "عمرو بن عُتْبةَ"
فقال: يا أمير المؤمنين نحن من تعْرفُ، وحقنا لا يُنكرُ، وجئْناكَ من بعيدٍ، ونمتُّ بقريبٍ، وما تعطينا من خيرٍ فنحن أهلُهُ، وما ترى بنا من جميل فأنْتَ أصْلُهُ؛ فضحك عبد الملك وقال:
يا أهل الشام هؤلاء قومي وهذا كلامهم.
كان يجرى على "أبي العيناء" شيء، فاخر عنه، فتقاضى به مرارًا ثم تركهُ، وقال: لا حاجة لي فيه، فإنه رق لا رزق، ويلاء لا عطاء، ومحنة لا منْحَة.
قال رسول الله ﷺ: "إن الله يبغضُ من عباده البذئ الفاحش السائل المُلْحِفَ" (١)
في كتاب الهند: لا يُكْثرنَّ الرجل على أخيه في المسألة، فإن العجْل إذا أَفْرط في مصَّ أُمَّه نطَحْتهُ ونحَّتْهُ.
في كتاب الهند: ثلاثةُ تزيد في الأُنس: التَّزاورُ في الرجال، والمؤاكلة والمحادثة.
دخلة علوىُّ على "أبي السائب" فنظر إلى إبريق، فقال: هبْهُ لي، فقال: لستُ أسْتغْنى عنه، فقال: هبْ لي هذا الطست، فقال: هو من جهاز أُمَّي فأنا أتبَّركُ به، فقال: هب لي تلك المنارة، فقال "أبو السائب": صلوات الله على المسيح إذ لم يترك في أُمتَّه ولدًا يؤذيهم.
_________
(١) حديث صحيح. أخرجه أحمد (٥/٢٠٢) والطبراني (٣٩٩)، (٤٠٥) في الكبير من حديث أسامة بن زيد، والبيهقي (٦٢٠٢)، (٦٢٠٣) في الشعب من حديث أبي هريرة، وله شواهد كثيرة، أنظر بعضها في السلسة الصحيحة (١٣٢٠) [الدار] .
1 / 34
قيل: من ثقُل عليك بنفسه، وعمك بسؤاله، فوله منك أذنا صمَّاء، وعينًا عمياء.
قيل: كان الأحنف لجاريته "زَبَرَةَ" فقيل له في ذلك، فقال: كيف لا أطيع من لي إليه كل يوم حاجة.
قال لقمان: شيئان لا يحمدان إلا عند عاقبتهما: الطعام والمرأة، فالطعام لا يُحْمد حتى يُسْتمرأ، والمرأة لا تُحْمد حتى تموت.
تزوج رجل سيئ الخُلق امرأة فقال: أما أنا سيئ الخُلق فإن كان بك صبرُ على المكروه وإلا فلست أغرك من نفسي فقالت: أسوأ خلقًا من أحوجك إلى سُوء الخُلق، فتزروجها فما جرى بيتهما وحشة حتى فرق بينهما الموتُ.
قال "شُرَيح" تزوجت امرأة صغيرة، فلما بنيت بها، قالت: عرفني خُلُقك لأُحسنَ مداراتكَ فعرفتها، فبقيت سنة معها يزداد شغفي بها، فلما كان بعد سنة دخلتُ يومًا فإذا عجوزٌ قاعدةٌ، فسألتها عنها، فقال: هي أُمي، فدعت وقالت: كيف رضاك عن صاحبتك، فشكرتها، فقالت: أسوأ ما تكون المرأة خلقًا إذا حظيتْ عند الزوج، وإذا ولدتْ، فإن رابك شيء فعليك بالسوْطِ، فقلت: أشهد أنها ابنتك جزاك الله خيرًا لقد كفيتني الرياضَةَ.
طلق رجل امرأة، فلما أرادت الارتحال عنه قال:
اسمعي وليسمع من حضر، إني والله اعتمدتُك برغبةٍ، وعاشرتك بمحبةٍ، ولو يوحد منك زلة، ولم يدخلني منك ملة، ولكن القضاء كان غالبًا.
فقالت المرأة: جُزيت من صاحبٍ ومصحوب خيرًا، فما استرثتُ خيرك،
1 / 35
ولا شكوتُ ضيرك، ولا تمنيْتُ غيرك، ولم أرد إليك شرها، ولم أجد لك في الرجال شبهاُ، وليس لقضاء الله مدفع، ولا من حُكْمه مُمْتنع، ثم افترقنا!!
قيل: ينبغي لذي المروءة أن يكون مع الملوك مُبجَّلًا، ومع النُساك متبتَّلًا، كالفيل: إما أن يكون مركبًا نبيلًا، أو في البرية مهيبًا جليلًا، وقد نظم بعض الشعراء هذا المعنى فقال:
إذا ما لم تَكٌنْ مَلكَّا مُطاعًا فكن عَبدًا لمالِكِهِ مُطيعًا
وإنْ لم تأْنكَ الدنيا جميعًا كما تَخْتارُ فارتكها جميعا
كمِثلِ الفيلِ إما عنْدَ مَلْك وإمَّا في مراتِعِهِ منيعا
قال "عبد الملك" لأعرابي: ما تشتهي؟ فقال: العافية والخمول، فإني رأيتُ الشر إلى ذي النَّباهة سريعًا، فقال: ليتني سمعت هذه الكلمة قبل الخلافة.
[قال] اليزيدىُّ:
ومَا العيشُ إلاَّ في الخمولِ مع الغِنَى
وافية تَغْدو بها وتَروحُ
قيل: الغُلوُّ في العلو مُؤدَ إلى أوضْعِ الضعة
قيل لابن المقفَّع: ألا تطلبُ الأمور العظام، فقال: إن المعالى مشوبة بالمكاره، فاقتصرتُ على الخمول ضنًا بالعافية.
ومثله قول العتَّابيَّ:
دَعينى تَجينى مَتِيَّتى مُطمئنَّةًّ ولم أتحشًّمْ هولَ تلك المواردِ
فإنَّ جسيماتِ الأمورِ مَنُوطهٌ بُمستودعاتٍ في بُطُون الأساور
1 / 36
قيل لحكيم: ما الشيء الذي لا يستغنى الإنسان عنه في كل حالٍ؟
فقال: التَّوفيق.
[أنشد] شاعر:
ولو أنَّني أُعطيتُ من دهري الُمنى ... وما كُلُّ من يُعطْى المنى بمسدَّدِ
لقلتُ لأيامٍ مَضَيْنَ ألا ارجعى ... وقلتُ لأيامٍ أتَيْنَ ألا ابعدى
[قال] الخُبْزارزِىُّ:
أستودعُ الله أحبابًا فجعتُ بهم بانوا وما زَوَّدوني غير تعْذيِب
بانوا ولم يَقْضِ زيدٌ منهمُ وطرًا ولا تقضَّتْ حاجةٌ في نفسِ يَعْقُوبِ
[قال] العباس بن الأحنف:
لو كُنتِ عاتبةً لسكَّن عَبْرتى أملى رضاك فزرت غير مراقب
لكن مَلَلتْ فلم تَكُنْ لي حيلةٌ صدُّ الملول خلافُ صدَّ العاتب!
[وقال] علي بن جبلة:
نَزَفْتَ دَمعى وأزْمعتَ الفِراق غدا فكيف أَبْكىِ ودَمَعُ العَيْن مَذْروف
واسوأتى من عُيون العاشِقين غدًا إذا رحلتَ ودمعُ العينِ مكفوف
[وقال] الحسن بن وهب:
إبكِ فما أكثر نفع البُكا والحبُّ إشفْاقٌ وتَعْليلُ
فَهْوَ إذا أنت تأمَّلْتهُ حزنٌ على الخدَّين محلولُ
1 / 37