وهنا كرت بصرهاعلى شخصه، فاستوعبت في نظرة واحدة حسن هندامه، وجمال شارته، وقالت في نفسها: هذه الحلة البديعة، وهذا الحذاء الرقيق، وهذه السجائر الغالية، هذه المناعم والمتارف لا تصلح إلا له، ولا يصلح إلا لها، فهكذا يعيش ويلبس وإلا فلا، هكذا ينبغي أن تكون عيشته، وإلا فكل عيشة غيرها تكون خلوا من اللذة، قفرة من المتاع، عاطلة من البهجة والسرور والسعادة.
ومع ذلك فلقد كانت مضطرة إلى تعيين مبلغ لا يئوده ولا يبهظه، فتذكرت المائتي الجنيهات - إيرادها في العام - ثم قالت في نفسها: وما أظن أن ربحه السنوي يقل عن مائة .
فأجابت أخيرا بصوت ضعيف خافت: «إن الجواب على هذا لمن أصعب الأمور؛ لأن اعتقادي الشخصي أن الإنسان يستطيع العيش بأقل مبلغ من المال، ولكني أظن أن معظم الناس في مركزي هذا يحددون مبلغ ثلاثمائة جنيه في العام.»
فمد يده لقدح الشاي الموضوع على مائدة صغيرة إلى جانبه، وكان الشاي قد برد أثناء المناقشة في هذه الأغراض النظرية، فتناول القدح، وهو يقول بلهجة الهازئ: «ثلاثمائة جنيه في العام!» ثم جلس بالقدح في زاوية من الأريكة المقابلة للفتاة، وأقبل يقلب الشاي ببطء، وقال بتمهل وتريث: «كم يكون ذلك في الأسبوع؟ خمسة جنيهات وخمسة عشر شلنا، أليس كذلك؟ خبريني ماذا تصنعين بهذا؟ منزل من بابه، أصغر منزل، ثم الخدام ...»
فقاطعته الفتاة قائلة: «وما لزوم منزل كامل، وأي ضرورة للخدام؟»
فقال بجفاء: «لا أدري، ولكن شيمة الفتيات أنهن ينتظرن كل هذا عند أزواجهن.»
قالت: «ليس كل الفتيات سواء.» وكان يخيل للسامع أنه يسمع في صوتها الابتسامة التي كانت تضيء وجهها أثناء نطقها بهذه العبارة.
فقال بسرعة: «تريدين دورا في منزل.» ولاح على صحيفة وجهه بارق سرور خاطف ثم زال، واستمر في قوله: «نفرض دورا في منزل، أنت تريدين لذلك ثلاثين شلنا في الأسبوع على الأقل، ثم ثلاثين أخرى للخوان، فيبقى بعد ذلك جنيهان وخمسة عشر شلنا لسائر مطالب الحياة.» - «هذا بلا شك مبلغ يفي بأجمعها ويفضل.»
قال الفتى: «أنا لا أرى ذلك، اذكري الملابس.» وأقبل بوجهه على النار مطرقا يفكر ويتدبر، وقد ثارت في أعماق نفسه ذكرى أليمة وخازة بشأن خمسة جنيهات ثمن «بدلة» يطالبه به الخياط.
وأحس أن في كلمته الأخيرة، ما يدل على شيء من الإسراف والتبذير والأنانية، فأراد أن يمحو عنه الريبة فقال: «ولا تنسي ما ينبغي للزوج أن يقدم إلى الزوجة من صنوف الملاهي، وضروب المطارب، ومبلغ ثلاثمائة في العام لا يترك شيئا لذلك.»
Unknown page