يقول إصطفيان لنفسه: «هذا وايم الله الهوى العذري والحب الصادق! فما لي أرده ردا، وأصده صدا.» ولكن الفكرة تعاوده: إن الفتاة تحاول توريطي والتغرير بي، وما كنت لأسلس لها مقادتي، وألين شكيمتي، ثم عراه ارتباك وحيرة، إذ قامت بنفسه غريزة تدفعه إلى تأجيل موقف يطالب أن يبدي فيه من التصريحات والوعود ما قد لا يستطيع الوفاء به، ويظهر من الإحساسات والعواطف ما ربما يعجز عن تأييده بالحجة والبرهان على مدى الأوقات وتوالي الأزمان.
فابتسم ابتسامة خفيفة وقال: «تسألينني: أأحفل بك وأكترث؟ نعم بطبيعة الحال، إني أستطرفك كثيرا.»
وكان في لهجة جوابه هذا من دلائل الاستخفاف والازدراء، ما يؤدي معنى التحذير الآتي؛ وهو: لا تتجاوزي حدك، فتضطريني أن أغلظ لك القول، وأخشن الخطاب.
إن إصرار الفتى على ضبط شهوته البدنية أعماه عن لوعة الفتاة وكربها، وما كان يلذع حشاها من الكمد والحرقة.
فلو أن إيزابلا كانت أكثر خبرة بالرجل وأوسع تجربة، وكان سهمها من الجلد والصلابة أرجح من نصيبها من الحياء والحشمة، لو أنها استطاعت أن تدنو من إصطفيان في تلك اللحظة فتمسك يديه وتضمها إلى صدرها، لو أنها اجترأت على أن تسلط عليه تلك القوة الخفية المجهولة، قوة سحر التلامس الجسماني.
إذن لاضمحلت إرادة الفتى إزاء تلك القوة الهائلة.
إذن لذابت عزيمته في نار شهوته المحتدمة.
إن الألفاظ تحرك الذهن، وهذا يحرك الحواس، ولكن هذه سبيل مطولة بعيدة مع بعض الناس.
أما التلامس فيحرك الأعصاب مباشرة، فينساب لهبه في أنحاء البدن كالألم المستطير.
ولقد كانت أعصاب إصطفيان أحد إحساسا من ذهنه، فلو أن الفتاة كانت من النسوة المحنكات المدربات لفازت بغرضها وأدركت غايتها، ولكنها كانت صبية ساذجة، فكان حياؤها وحشمتها وسلامة نيتها وعفافها النفساني والجثماني، كل هذه الخلال تقيدها كالأغلال والأصفاد في حومة تلك المعركة.
Unknown page