Doroos Al-Sheikh Hassan Abu Al-Ashbal
دروس الشيخ حسن أبو الأشبال
Genres
ثبوت عقوبة الحد ومقدارها دون عقوبة التعزير
الفارق الثاني: عقوبة الحد ثابتة لا تتغير باختلاف الناس المستحقين لها، فكل من ارتكب ما يوجب الحد أقيم عليه دون اعتبار لمركزه أو بلده.
وكان الناس في الجاهلية إذا زنت المرأة لكنها كانت شريفة في قومها، أو هي من أشراف القوم، أو من عليه القوم، وزنت امرأة أخرى ولكنها من سقط الناس ورعاع الناس، فيقيمون عليها الحد، ولا يقيمون الحد على تلك المرأة الشريفة.
فحد الله تعالى ثابت للشريف والوضيع، والحر والعبد، وعلى كل من استوجب الحد، فإن الذي وقع في جريمة السرقة، أو الزنا أو شرب الخمر أو غيرها، ما دام قد بلغ وجرى عليه القلم، وحتى الشيخ الكبير والمرأة العجوز إذا وقعوا في جريمة من هذه الجرائم فإنهم يستحقون الحد.
فالحدود ثابتة لا تتغير، ولا علاقة لها لا بالزمان، ولا بالمكان، ولا بالأشخاص.
كما لا يختلف الحد باختلاف عظم المخالفة التي تستوجب الحد أو عدمها، فلو أن رجلًا سرق مائتي جنيه فقد بلغ نصاب حد السرقة، فيكون هو والذي يسرق الملايين سواء؛ لأنهما اشتركا في بلوغ حد نصاب السرقة في المسروق، فكذلك لا يختلف الحد باختلاف عظم المخالفة أو عدمها، نعم الذي يسرق مليون جنيه بخلاف الذي يسرق مائتين، ولكن شرع الله ﷿ أوجب الحد على كل منهما على مقدار واحد؛ لأنهما قد اشتركا في بلوغ حد النصاب في المسروق.
والذي يزني بأجنبية هذا جرم عظيم جدًا، وأشد منه جرمًا: أن يزني الرجل بإحدى محارمه، كالذي يزني بعمته، فهذا أشد جرمًا ممن يزني بامرأة أجنبية، ولكن الشرع حدد عقوبة واحدة في الاثنين، لماذا؟ لأنه نظر إلى الفاحشة، ولم ينظر إلى المفعول بها؛ لأنها لو انتشرت لفسد المجتمع كله، ولذلك لا اعتبار أبدًا بعظم المخالفة وعددها، وإنما العبرة ببلوغ العبد المعصية التي حدد الله ﷿ لها عقوبة مقررة.
أما التعزير فيختلف باختلاف حال الناس، فتأديب ذوي الهيئة من أهل الصيانة أخف من تأديب أهل السفاهة والبذاءة، وهذا فرق بين التعزير وبين الحد، فلو أن رجلًا سرق مالًا لم يبلغ حد النصاب وكان رجلًا شريفًا مهذبًا لم يعهد عليه ذلك قط، لكنه في لحظة ضعف تسلط عليه الشيطان وسرق خمسين جنيهًا فقط، فهي لم تبلغ نصاب حد السرقة، وهناك صنف آخر يفعل المعصية، وهو مدرك جيدًا لمسألة الحدود والتعزيرات، ولكنه لا يمكن أن يسرق أكثر مما يستوجب تعزيره، فإن الحد يقام إذا كان المبلغ مائة وأربعين جنيهًا، فهو يقول: أنا ما سرقت إلا مائة، فيسرق من ذا مائة، ومن الثاني مائة، ومن الرابع مائة، حتى يعلم عند ولي الأمر أنه بذيء وفاحش وسفيه وسارق، لكن الحاكم لا يقيم عليه الحد؛ لأنه لم يبلغ الحد، فكل ما يسرق يضربه حد التعزير، يؤدبه ويعزره، إذا كان لا يقدر أن يقيم عليه الحد، فهل هذا كالشريف الذي وقع في زلة مرة؟ ولو أن ولي الأمر أتى بهذا الشريف، وقال له: عيب عليك يا رجل؛ أبوك شريف وأمك شريفة وأسرتك شريفة وهذا الفعل يصدر منك! أول ما يسمع هذه الكلمات ربما يخر مغشيًا عليه، فهذا يكفيه، ولا يلزم ضربه؛ لأن التعزير مقصود قد حصل بالتوبيخ، ومثل ذلك الزوجة إن أتت بالوعظ هل يجوز توبيخها؟ لا.
وهكذا إذا لم تأت إلا بالتوبيخ لا يجوز ضربها، ولذلك الله ﵎ لما حدد لنا مراحل تأديب الزوجة وهو الخبير اللطيف ﷾ بما خلق، وبمن خلق، فهناك زوجة لو أنك نظرت إليها تعرف ماذا عملت، وتذوب كما يذوب الملح في الماء، وأخرى مهما تنظر إليها تخرج لسانها ولا يهمها مهما نظرت.
فالأولى مهذبة، إنما يكفيك منها أن تنظر إليها ولا تؤذها بكلمة، ولا بتوبيخ ولا لوم ولا تقريع أبدًا، لا يجوز لك هذا.
وهناك زوجة لو أنك أنت نمت ووجهت إليها ظهرك كأنك قتلتها، وهناك زوجة لا تستريح إلا حين تذهب هي إلى غرفة ثانية وتنام بعيدة عنك.
ونحن طبعًا رأينا في هذه الأيام التي لا تستريح إلا حين تذهب تنام في بيت أبيها، وفي الصباح تقوم أنت تنظف الأولاد وتؤكلهم وتشربهم وتوصلهم إلى المدرسة، وهي تأتي في الضحى أو في الظهر أو في العصر أو حين يرجع الأولاد من المدرسة.
فكل أسلوب ينفع في موطن لا يجوز التعدي والزيادة على هذا الأسلوب حتى في التعزير.
ولذلك يقول: التعزير يختلف باختلاف حال الناس، فتأديب ذوي الهيئات يختلف عن تأديب غيرهم، ولذلك النبي ﷺ يقول: (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم).
يعني: إذا وقع واحد صاحب وجاهة وسقط مرة، وليس من عادته السقوط، فلا يضغط عليه، ولا يفتن في دينه، والناس بشر، والبشر يخطئون ويصيبون، فمنهم من الأصل فيه الخطأ، ومنهم من الأصل فيه الصواب والاستقامة.
فإذا وقع أصحاب الاستقامة في الخطأ فاستروهم، ولذلك يقول النبي ﵊: (ومن ستر مسلمًا على خزيه في الدنيا ستره الله ﷿ يوم القيامة).
كما يختلف التعزير باختلاف عظم المخالفة وعدمها، كمن يسرق مالًا دون النصاب بقليل، والثاني: يسرق دون النصاب بكثير.
فلو أن رجلًا سرق جنيهين، وجاء آخر فسرق ثلاثين جنيهًا، أو أربعين جنيهًا فهذا يستحق اللوم أو التعزير أك
2 / 11