وهناك مشهدٌ لطيفٌ آخرُ، وهو: مشهدُ الرحمةِ وهو: إن ترْحَمَ منْ آذاك، فإنهُ يستحقُّ الرحمةَ، فإنَّ إصراره على الأذى، وجرأته على مجاهرةِ اللهِ بأذيةِ مسلمٍ: يستحقُّ أن ترقَّ لهُ، وأنْ ترحَمَهُ، وأنْ تنقذه من هذا، «انصرْ أخاك ظالمًا أو مظلومًا» .
ولمَّا آذى مِسْطَحٌ أبا بكرٍ في عِرْضِهِ وفي ابنتِهِ عائشة، حلف أبو بكرٍ لا ينفقُ على مسطحٍ، وكان فقيرًا ينفقُ عليه أبو بكرٍ، فأنزل اللهُ: ﴿وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ . قال أبو بكرٍ: بلى أُحِبُّ أن يغفرَ اللهُ لي. فأعاد له النفقة وعفا عنهُ.
وقال عيينهُ بنُ حِصْنٍ لعمر: هيهِ يا عمرُ؟ والله ما تعطينا الجَزْلَ، ولا تحكمُ فينا بالعدْلِ. فهمّ به عمرُ، فقال الحرُّ بنُ قيس: يا أمير المؤمنين، إنَّ الله يقول: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾، قال: فواللهِ ما جاوزها عمرُ، وكان وقَّفًا عند كتابِ اللهِ.
وقال يوسُفُ إخوتِهِ: ﴿قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ .
وأعلنها ﷺ في الملأِ فيمنْ آذاهُ وطرده وحاربه منْ كفارِ قريش، قال: «اذهبُوا فأنتمُ الطلقاءُ» قالها يوم الفتحِ، وفيِ الحديثِ: «ليس الشديدُ بالصُّرَعَةِ، إنَّما الشديدُ الذي يملكُ نفسه عندَ الغضبِ» .
1 / 265