أما منشأ دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ﵀ وظهورها في نجد، فمن المعلوم عند الخاص والعام أنه قد نشأ في أناس قد اندرست فيهم معالم الدين، ووقع فيهم من الشرك والبدع ما عم وطم في كثير من البلاد، إلاّ بقايا متمسكين بالدين يعلمهم الله تعالى، وأما الأكثرون فعاد المعروف بينهم منكرًا، والمنكر معروفًا، والسنة بدعة، والبدعة سنة، نشأ على هذا الصغير، وهرم عليه الكبير.
ففتح الله بصيرة شيخ الإسلام بتوحيد الله الذي بعث الله به رسله وأنبياءه١، فعرف الناس ما في كتاب ربهم من أدلة توحيده الذي خلقهم له، وما حرّم الله عليهم من الشرك الذي لا يغفره الله إلا بالتوبة منه، فقال لهم كما قاله المرسلون لأممهم: ﴿أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [المؤمنون: ٣٢] فحجب كثيرًا منهم عن قبول هذه الدعوة ما اعتادوه، ونشأوا عليه من الشرك والبدع، فنصبوا العداوة لمن دعاهم إلى٢ توحيد ربهم وطاعته، ولمن استجاب له وقَبل دعوته، وأصغى إلى حجج الله وبيناته، كحال من خلا من أعداء الرسل، كما قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا﴾ [الفرقان:٣١]، وقال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ
_________
١ في النسخ: "أنبيائه".
٢ في الأصل: "في".
1 / 11