قلت إذ زار من أحب وجنح الليل ... روض أبدي النجوم نهارًا
ملك الحب زاره ملك الحسن ... فزادا على الوجود اقتدارا
فافرشوا الورد أطلسا حين يمشي ... واجعلوا عسجد الكؤس نثارا
واصرفوا حاجب الهلال فقد نم ... يسري إلى العيون مرارا
واحجبوا أبيض الصباح وقولوا ... لنجاشي الظلام كن برد دارا
وعلى ذكر البرد دارا ما أحسن قول الآخر دوبيت:
يا ليل بك الثناء والمدح يليق ... إذ أنت لأهل العشق خل وصديق
إذ أنت جعلت برد دار الهم ... لا تعط عليهم قط للصبح طريق
وقال ابن النبيه:
قلت لليل إذ حباني حبيبًا ... وغناء يسبي النهي وعقارا
أنت يا ليل حاجبي فامنع الصبح ... وكن أنت يا دجى برد دارا
وما أحسن قول شمس الدين محمد ابن العفيف.
ومليح كالبدر زار بليل ... فجلا حسنه الدجى إذ تجلى
ما درى منزلي ولكن قلبي ... بلهيب الجوى هداه ودلا
وعجيب منه فقيه ذكي ... بمحل النزاع كيف استدلا
وقال الآخر:
يا حبيبي وأنت ما ... زلت بالوصل منعما
زرتني بعض ليلة ... بت فيها مهموما
حين وليت غائبا ... أفل البدر في السما
ليت شعري من الذي ... من أخيه تعلما
وقال بشار بن برد.
يا أطيب الناس ريقًا غير مختبر ... إلا شهادة أطراف المساويك
قد زرتنا مرة في الدهر واحدة ... ثنّ ولا تجعلها بيضة الديك
قيل أن الديك يبيض في السنة بيضة ولهذا قال بشار ذلك وقال ابن الساعاتي في تاريخه في سنة ست وتسعين وستمائة باض ديك ببغداد وسألت جماعة عن ذلك فأخبروني به. قلت وأخبرني الآن بعض الصوفية المقيمين عندي بالصهريج أنه باض عندهم ديك بيضة صغيرة وجعل يصيح مثل الدجاجة ثم أقام بعد ذلك سبعة أيام ومات رجع الكلام وقلت أنا.
لي حبيب له حبيب مواف ... كل يوم يأتي إليه مرارا
قلت زرني فقال حبي عندي ... شغل الحلى أهله أن يعارا
وقلت أيضًا من قصيدة.
زار الحبيب ووجه الورد خجلان ... فاصفر حين تثنى قده البان
قد كان ما كان من هجانه زمنًا ... وقد وفى الآن فالعذل لا كانوا
ما ضرني ضيق عيشي حين واصلني سم الخياط مع الأحباب ميدان
فصل
نم الطيب على الحبيب
ما أحلى قول ابن سكرة.
أهلًا وسلهلًا بمن زارت بلا عدة ... تحت الظلام ولم تحذر من العسس
تسترت بالدجى عمدًا فما استترت ... وناب اشراقها ليلًا عن القبس
ولو طواها الدجى عنا لأظهرها ... برق اللثام وعطر النحر والنفس
أخذه المعتمد بن عبادة فقال:
ثلاثة منعتها عن زيارتنا ... خوف الرقيب وخوف الحاسد الحنق
ضوء الجبين ووسواس الحلى وما ... تحوي معاطفها من عنبر عبق
هب الجبين بفضل الكم تستره ... والحلى تنزعه ما حيلة العرق
وقال:
يوم يقول الرسول قد أدنت ... فأت على غير رقبة ولج
أقبلت أهوى إلى رحالهم ... أهدي إليها بريحها الأرج
قيل ويستدل بالطيب على السلوك في المواطن التي يكون الناس فيها غير معروفين مثل الحمام ومعركة الحرب وموسم الحج وما زالت الشعراء تصف مواطن الحبيب بالطيب كما قال فيه ابن النبيه.
إن جاء من يبغي لهم منزلا ... فقا له يمشي ويستنشق
وقال محمد بن عبد الله النميري في زينب أخت الحجاج من قصيدة:
تضوع مسكا بطن نعمان إذ مشت ... به زينب في نسوة خفرات
له أرج من مجمر الهند ساطع ... تطلع رياه من الكفرات
يخمرن أطراف البنان من التقى ... ويطلعن نصف الليل معتجرات
ومنها
ولما رأت ركب النمري أعرضت ... بكره لأن يلقينه حذرات
1 / 52