وقد ذكرت في النسيم أشياء مليحة في كتابي سلوك السنن المذكور واقتصرت منها على هذا القدر هنا خوف الإطالة ويجب أن يكون الرسول من أهل الصيانة وممن يرجع إلى ديانة لئلا يطمع فيصير خليلًا بعد أن كان رسولًا كما اتفق لرسول ابن سناء الملك الذي قال فيه:
راح رسولًا وجاءني عاشق ... وعاقه عن رسالتي عائق
وعادلا لي بالجواب بل بجوى ... أخرسه والهوى به ناطق
وقال آخر: رجع الرسول إلي وهو متيم ولهذا قال ابن الأثير ليس على الحسن أمانة وفي مثله تعذر الخيانة.
وقال المتنبي:
مالنا كلنا جو يا رسول ... أنا أهوى وقلبك المتبول
وكلما عاد من بعثت إليها ... غار مني وخان فيما يقول
أفسدت بيننا الأماني عينا ... ها وخانت قلوبهن العقول
يستريح أي عيناها بسحرها أفسدت أمانة الرسول في الرسالة وخانت قلوبهم أي فارقت العقول القلوب بسببها قال الأرجاني:
قسمًا لقد رجع النسيم عليلًا ... لما سرى مني إليك رسولًا
ودرى بحبك أنه قد خانني ... فغدا يجر من الحياة ذيولًا
ومن أحسن ما سمعته في الرسائل والتلطف في الوسائل ما حكى عن الملك عبد العزيز بن السلطان صلاح الدين أنه كان في أيام أبيه أحب قينة وشغف بها فبلغ صلاح الدين فمنعه من صحبتها ومنعها منه فحزن ولم يمكنه أن يجتمع بها ومضى على ذلك مدة أيام فسيرت إليه مع خادم كرة عنبر فكسرها فوجد فيها زر ذهب فلم يفهم مرادها بذلك وجاءه القاضي الفاضل فعرفه الصروة فقال في الحال:
أهدت لك العنبر في وسطه ... زر من التبر رقيق اللحام
فالزر من العنبر تفسيره ... زر هكذا مستترًا في الظلام
وقال علاء الدين المغربي من رسالة النيرين وهي من المحب الكئيب إلى حبيب الحبيب افتتحها بقوله يقبل الأرض وينهي بين يدي المالك الرحيم سلطان الملاح وليث الكفاح منها:
ذهب النيل وعادا ... وغرامي يتمادى
كلما قلت غدا ين ... قص بعض الوجد زادا
كل قلب غير قلبي ... نال في الحب المرادا
وأناالمسكين وحدي ... نلت في الصحب العنادا
قال الراوي ثم أن علاء الدين قال وأنا المسكين وحدي بلت في صحن القطائف وعملت الخل ناطف وصلت إبليس بدقته وتركته ينخفض ويصفق ويغني تللاله:
يا عوينات الغزاله رحم الله من قتلني ... وأي فخر في قتل مثلي
وهل أنا الأشويعر مخارف مسخرة قد جعل رسائله وسائله وقصائده مصائده مصايده يستحلب ضرع الضراعة ويميط قناع القناعة إن جاع أكل من تقطيع الأعاريض وإن عطش شرب من بحور القريض في زمان لا فرق فيه عند أهله بين القادح والمادح والصائح والنائح:
قد ذقت منه ما ليس يقلعه ... أبو الحسين القلاع من ضرسي
بل أي شيء أحسن من خشفين مترفين اليفين يتراضعان ثدي الصحبة ويتراشفان كأس المحبة ويقتطفان ثمر الوصال ويتسالمان أنواع الدلال ويتواصفان لواعج الغرام ويتباسطان مباسطة الحمام ولا يحضرهما غير مزاح ومراح ولا يلثمها غير كأس راح:
اثنان كالفرد من طول اعتناقهما
باتا بليل حميد غير مذموم يسفران عن نيرين ويبتسمان عن درين ويتسارقان النظر بلواحظ جؤذرين كأنهما اقتسما فنون الحسن والإحسان بفكتي الميزان إن تناقلا بعتاب أو تراسالا بكتاب قدر منثور وسحر غير محظور وإن تسابقا في ميدان الهوى أو تراشقا بسهام الجوى فالواتر موتور والساحر محسور وهي رسالة لطيفة ظريفة كلها من هذا النوع اقتصرت منها على هذا القدر الإطالة وقد ذكرتها بكمالها في الجزء الثاني من حاطب ليل وقلت أنا مما كتبته إلى بعض الأصحاب.
كتبت إليكم والسطور حروفها ... بها أعين ترنو لكم وترمق
ولي قلم أمسى لرطب لسانه ... سلام مشوق قد براه التشوق
الباب العاشر
الاحتيال على طيف الخيال
وغير ذلك مما قيل فيه
على اختلاف معانيه
1 / 41