أقول هذا باب عقدناه لذكر مغالطة الحبيب في نفسه وإلحاق يومه بأمسه وهو من أعظم الأبواب حشوه وأكثرها رشوه وأحسنها اختراعًا وأكثرها خداعًا وأبلغها حطابة وأكثرها إصابة وسنورد من ذلك ما يعذب إيراده ويحسن عند أهل الإنشاء إنشاده ليعلموا أن الأديب على الحبيب يحتال ويجاري برقة ألفاظه الجريال فمن ذلك وهو من أحسن ما سمعته في مغالطة الحبيب:
قم بنا يانور عيني ... نجعل الشك يقينا؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
فإلى كم ياحبيبي ... يأثم القاتل فينا
ومثله قول الآخر:
ما أنس لا أنس قولها بمنى ... ويحك إن الوشاة قد عملوا
ونمّ واش بنا فقلت لها ... هل لك يا هند في الذي زعموا
قالت لماذا ترى فقلت لها ... كي لاتضيع الظنون والتهم
وقال العباس بن الأحنف:
كان لم يكن بيني وبينكم هوى ... ولم يك موصولا بحبلكم حبلي
واني لاستحي لكم من محدث ... يحدث عنكم بالملالة والمطل
وقال آخر:
نسبت الى ذنب ولم اك مذنبًا ... وحملتني في الحب ما لا أطيقه
وما طلبي للوصل حرصًا عل البقا ... ولكنه أجر إليك أسوقه
قلت:
ما يرضى يروح سواء بسواء ... حتى يسوق إليه الأجر أيضًا
ومما قتله أنا في هذا المعنى:
لم أطلب الوصل من أجلي فديتك يا ... من زاد حظي سوادًا منه شامات
لكن خشيت بأن تبلى بعشق رشا ... يقتص لي منك والدنيا مكافات
وقال آخر:
قد أكثر الناس أنواع الحديث بنا ... وفرق الناس فينا قولهم فرقا
فكاذب قد رمى بالظن غيركم ... وصادق ليس يدري أنه صدقا
وقال آخر:
يا سيدي عندك لي مظلمه ... فاستفت فيها ابن أبي خيثمه
فإنها يرويه عن جده ... وجده يرويه عن عكرمه
عن ابن عباس عن المصطفى ... نبينا المبعوث بالمرحمه
إن انقطاع الخل عن خله ... فوق ثلاث ربنا حرمه
وأنت مذ شهر لنا هاجر ... أما تخاف الله فينا فمه
وقال جميل:
وماذا عسى الواشون أن يتحدثوا ... سوى أن يقولوا أنني لك عاشق
نعم صدق الواشون أنت حبيبه ... إلي وإن لم تصف منك الخلائق
قلت هكذا رأيته في غالب ما وقفت عليه من نسخ الحماسة وسمعت من أفواه أهل الأدب أعني أن قافية البيت الأول عاشق والصحيح أنها وامق لأن المعنى على ذلك بيانه أن الوامق المحب لغير ريبة والعاشق المحب لريبة وإذا كان ذلك كذلك لم تصح المغالطة إلا بقوله وماذا عسي يقول الواشون سوى إني لك وامق أي محب لغير ريبة: وقال ابن رواحة الحموي:
إن كان يحلو لديك قتلي ... فزد من الهجر في عذابي
عسى يطيل الوقوف بيني ... وبينك الله في الحساب
حكى أن بعضهم أنشد شابًا كان يحبه:
ماذا تقول إذا اجتمعنا في غد ... وأقول للرحمن هذا قاتلي
وأقول للرحمن هذا قتلي فقال له الشاب أقول هذا أراد أن ... فما مكنته.
وقال ابن سينا الملك: ومن رسالة وأنا والله في أمرك مغلوب والسبب أني أنا المحب وأنت المحبوب ولا أتجالد عليك. أغرك وأخون حبك ولا أتصنع عليك فأغشك. وأغم قلبك اعمل ما شئت فأن الصابر وأقتل كيف شئت فأنا الشاكر وقل لي فلي سمع يعشق قولك والتفت تر آمالي ترفرف حولك فأفعل فأنت المعذور واستطل فما أنا المضرور بل المسرور وارجع إلى الود الذي بيننا فكل ذنب لك مغفور: وقال أيضًا: وأنا أستعيذ بالله من ذنب يوجب عتبك ويلمح عذبك ويصرف قلبك ويجعلك ثاني عطفك ويغيرك على الفك:
لست على هجرك جلد القوي ... ولا على عتبك شاكي السلاح
وقال ابن السوادي الشاعر المشهور:
أشكو إليك ومن صدودك أشتكي ... وأظن من شغفي بأنك منصفي
وأصد عنك مخافة من أن يرى ... منك الصدود فيشتفي من يشتفي
وحكى القاضي: أبو عمر محمد بن يوسف الأزدي قال كنت أساير أبا بكر محمد بن داود الأصفهاني ببغداد وإذا بجارية تغني من شعر:
1 / 38