فأجبت في قلبي فقال تعجبًا ... أرأيت عمرك ساكنًا في خافق
وقال آخر:
وسكنت قلبًا خافقًا ... يأسًا كنا في غير ساكن
وقال الطغرائي:
مرض النسيم وصح والداء الذي ... أشكوه لا يرجى له فراق
هذا خفوق البرق والداء الذي ... ضمت عليه جوانحي خفاق
أورد الابن الأبار في تحفة القادم.
حتى إذا مالت به سنة الكرى ... زحزحته شيئًا وكان معانقي
أبعدته عن أضلع تشتاقه ... كي لا ينام على وساد خافق
ثم قال نسب بعض أهل عصرنا ابن تقي إلى الجفاء في قوله ابعدته:
عن أضلع تشتاقه ولو قال ... أبعدت عنه أضالعًا تشتاقه
لكان أحسن ثم ذكر بعدها مما فضلوه على قول ابن تقي المذكور قول ابن الحكم جعفر بن عنان:
إن كان لا بد من رقاد ... فأضلعي هاك عن وسادي
ونم على خفقها هدوًّا ... كالطفل في هزة المهد
وقال ابن الأثير في المثل السائر في أبيات ابن تقي المذكور وهذا من الحسن والملاحة بالمكان الأقصى ولقد خفت معانيه على القلوب حتى كادت ترقص رقصًا والبيت الأخير هو الموصوف بالابداع وبه وبأمثاله أقرت الأبصار بفضل الإسماع وقلت أنا موافقا لأهل ذلك العصر في الرد على ابن تقي:
أتاني زائر فحكى الهلالا ... وأتبعه صدودًا واستطالا
فقلت له فقال لا لا ... دوام الوصل يورثك الملالا
الباب السادس
ذكر الغيرة
وما فيها من الحيرة وقرع من ديك الجن
أقول هذا باب عقدناه لذكر غيرة المحب على المحبوب حتى من نفسه وأبناء جنسه والمحبون فيها نوعان والمضروبون يسوطها ضربان فالأول يحبه الله ورسوله ويتم به للعاشق رسوله والثاني مذموم وصاحبه ملوم فالنوع المحبوب منها أن يغار عند قيام الريبة والنوع المذموم أن يغار من غير ريبة بل من مجرد سوء الظن وهذه الغيرة تفسد المحبة ولا تترك منها حبة لأنها توقع العداوة بين المحب والمحبوب وربما حملته على الوقوع فيما اتهمه به ويترتب عليها مفاسد كثيرة مما يؤدي إلى فساد الصورة والحكايات في هذا الباب مشهورة وقد روى النبي ﷺ في الصحيح " أن من الغيرة ما يحب الله ومنها ما يكره الله فالغيرة التي يحبها الله أن تكون في ريبة والغيرة التي يكرهها الله الغيرة في غير ريبة ".
وقال عبد الله بن شداد الغيرة غيراتان غيرة يصلح بها الرجل أهله وغيرة تدخل النار.
وقا لصاحب روضة المحبين الذي يحب الله ورسوله يغار لله ورسوله على قدر محبته وإجلاله وإذا خلا قلبه من الغيرة لله ورسوله فهو من المحبين فكذب من أدعى محبة محبوب من الناس وهو يرى غيره ينتهك حرمته ويسعى في إذاءه ومساخطه ويستخف بأمره وهو لا يغار لذلك بل قلبه بارد فكيف يصح لعبد أن يدعي محبة الله وهو لا يغار لمحارمه إذا انتهكت ولا لحقوقه إذا ضيعت وأقول الأحوال أن يغار له من نفسه يترك ارتكاب معاصيه والتفريط في حقه وأما الغيرة على المحبوب فإنما تحمد حيث يحمد الاختصاص به ويذم الاشتراك فيه شرعًا وعقلًا كغيرة الإنسان على زوجته وأمته والشيء الذي هو يختص به وهذه الغيرة تختص بالمخلوقين ولا تتصور في حق الخالق لأنه ﷾ يجب على جميع المخلوقين أن يحبوه ويذكروه ويعبدوه ويحمدوه خلافًا فالبعض جهلة الصوفية ممن كان إذا رأى من يذكر الله أو يحبه يغار منه وربما سكتة أن أمكنه ويقول غيره الحب تحملني على هذا وإنما ذلك حسد وبغي وعدوان ونوع معاداة الله ومراغمة لطريق رسله أخرجوها في قالب الغيرة وشبهوا محبته بمحبة الصورة وهذه الغيرة إنما تحسن في محبة من لا تحسن المشاركة في محبته كغيرة الإنسان على محبوبه من الآدميين كما تقدم ذكره.
قال القشيري قيل لبعضهم أتحب أن تراه قال لا قيل ولم قال أنزه ذلك الجمال عن نظر مثلي.
1 / 32