كان صيحًا عليه ليل بهيم ... فمحوا ليله وأبقوه صبحًا
وما أحسن قول السراج الوراق في مليح قلندري:
عشقت من ريقته قرقفًا ... وماله إذ ذاك من شارب
قلندر يا حلقوا حاجبًا ... منه كنون الخط من كاتب
سلطان حسن زاد في عدله ... فاختار أن يبقى بلا حاجب
وقال ابن سنا الملك:
حكيت جسمي نحوك ... فهل تعشقت حسنك
وكان جفنك مضني ... فصرت كلك جفنك
وزادك السقم حسنًا ... والله إنك أنك
فصل
قد تقدم ذكر ما يستحسن من المرأة فلنذكر هنا ما قالته الشعراء في تشبيه الأعضاء بالحروف لأنهم أكثروا من ذلك فشبهوا الحاجب بالنون والعين بالصدغ بالواو والفم بالميمي والصاد والثنايا بالسنين والطرة المضفورة بالشين ومن أحسن ما قيل في ذلك قول محاسن الشواء أرسل فرعًا ولوى هاجري صدغًا فأعيا بهما واصفة فخلت ذا من خلقه حية:
تسعى وهذا عقربًا واقفه ... ذي ألف ليست لوصل ودي
واو ولكن ليست العاطفة. وقول الآخر
ياسين طرتها وصاد عيونها ... إلى أعوّذ بسورة طه
وقول ابن مطروح
قالت لنا ألف العذار بخده ... في ميم مبسمه شفاء الصادي
وقول ابن نقاده
ضم الجمال فصاده من عينها ... والنون حاجبها بخال ينقط
والميم فوهًا فالحروف تألفت ... مكتوبة والصبر عنها يكشط
وقول الآخر:
لا تقول لي لا فمكتوب على ... وجهك المشرق نورا نعم
بحروف صورت من قدرة ... ما جرى قط عليها قلم
نونها الحاجب والعين بها ... طرفك الفتان والميم الفم
وقال شهاب الدين أحمد بن الخيمي:
إن صدغ الحبيب والفم والعا ... رض منه واو وصاد ولام
هي وصل بين المحاسن لما ... تم حسنًا وبالعذار التمام
غير أني أراه وصل وداع ... فيه يفضي افتراقنا والسلام
وقلت أنا:
حبيب تعالي قد حين سمته ... وقال قوامي رمحه ما يقوم
وخط عذاري أعجم الخال لامه ... ولم أدر أن اللام في الخط يعجم
وقلت أيضًا:
يرنو إليّ بعين نون حاجبها ... كالقوس تصمي الرمايا وهي مرنان
وقلت أيضًا: في عكس هذا المعنى أشارت وهو تشبيه الحروف بالأعضاء في تقريظ قصيدة مدحت بها مولانا السلطان الملك الناصر حسن.
فكم ألف بها أمسى ... رشيق القامة النضره
وكم شين بحاشية ال ... كتاب تخالها طرّه
وعين أصبحت في العين ... مثل العيز والنقرة
وقلت أيضًا: في تقريظ كاب ورد على بعض الأحباب من رسالة افتتحها بقصيدة منها:
رفضت النوم بعدك يا علي ... فلا تعجب لدمعي أن توالا
ووافاني كتاب منك عال ... حكت الفاته السمر الطوالا
وكم شاهدت من خطا ولكن ... مثالك ما رأيت له مثالا
لين أمست به الفات قطع ... فكم وصل به ضمن الوصالا
وكم ألف به للوصل لاحت ... كغصن البان لينًا واعتدالا
تعانق لامها طورًا يمينًا ... وآونة تعانقه شمالا
ظننت اللام فيه عذار خدّ ... وخلت النقط فوق الخدخالا
وامسى طالع الطاآت فيه ... يعلم لينه غصن الكمالا
وقال القاضي الفاضل من رسالة كتب بها إلى موفق الدين خالد القيرواني وقد وقف له على رسالة كتبها بالذهب جاء منها فمن ألفات ألفت الهمزات غصونها حمائم ومن لامات بعدها يحسدها المحب على عناق قدودها النواعم ومن صادات نقعت غلة القلوب الصوادي والعيون الحوائم ومن واوات ذكرت ما في وجنة الأصداغ من العطفات ومن ميمات دنت الأفواه من ثغرها لتنال جنى الرشفات ومن سينات كأنها الثنايا في تلك الثغور ومن دالات على الطاعية لكاتبها بانحناء الظهور ومن جيمات كالمناسر تصيد القلوب التي تخفق لروعات الاستحسان كالطيور وفيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين وخالد فيها خالد وتحيته فيها المحامد ويده تضرب في ذهب ذائب والناس تضرب من حدي بارد.
1 / 18