ولم يعرف ولم يفطن له أهل المجلس حتى قال له الرشيد ذلك فتعجبوا من علمه وفطنته. وقالوا أمدح بيت قالته العرب قول حسان:
(بِيض الوجوه كريمةُ أحسابهم ... شم الأنوفِ من الطراز الأولِ)
(يغشونَ حتى ما تهرُّ كلابُهم ... لا يَسألون عن السوادِ المقبل)
وقبله:
(لله در عصابة نادمتهم ... يومًا بجلقَ في الزمانِ الأولِ)
(أولاد جفنةَ حولَ قبر أبيهم ... قبر ابن ماريةَ الكرِيم المفضل)
ثم قال:
(فلبثتُ أزمانًا طوالًا فيهم ... ثم ادكرت كأنني لم أفعل)
(وفتىً يحب المجدَ يجعل ماله ... من دون والده وإن لم يسأل)
قوله (بيض الوجوه) معناه مشهورون ببهاء ولم يعن بهم البياض وقد تضمن هذا اللفظ معنى البأس والجود وغيرهما من خلال الخير لأن الإنسان لا يكون نبيهًا مشهورًا حتى يقال عنه أبيض الوجه وأغر ووضاح إلا إذا جمعها وما يجري معها قال الراجز
(فهن يحملن فتى وضاحا ...)
وقال أبو طالب في النبي &:
(وأبيض يستسقى الغمامُ بوجههِ ... ثمالُ اليتامَى عصمةُ للأراملِ)
وقال السموءل:
(وأيامُنا مشهورةٌ في عدونا ... لها غررٌ معروفةٌ وحجولُ)
أراد بالغرة والحجول الشهرة. وقلب بعض أهل البصرة قول حسان:
(بيض الوجوه كريمة أحسابهم ...)
فقال:
(سودُ الوجوهِ لئيمةٌ أحسابُهم ... فطسُ الأنوفِ من الطراز الآخرِ)
كما قلب بعضهم بيت أبي نواس:
(يا قمرًا أبصرتُ في مأتم ... يندبُ شجوًا بين أترابِ)
(يبكي فيذري الدرَّ من نرجسٍ ... ويلطمُ الوجهَ بعنّابِ)
فقال:
(وأعور أبصرتُ في مأتمٍ ... يندبُ شجوًا بتخاليطِ)
1 / 37