البحر : كامل تام

ماذا على طيف الأحبة لو سرى

وعليهم لو سامحوني بالكرى

جنحوا إلى قول الوشاة فأعرضوا

والله يعلم أن ذلك مفترى

يامعرضا عني بغير جناية

إلا لما رقش الحسود وزورا

هبني أسأت كما تقول وافترى

وأتيت في حبيك أمرا منكرا

ما بعد بعدك والصدود عقوبة

يا هاجري قد آن لي أن تغفرا

لاتجمعن علي عتبك والنوى

حسب المحب عقوبة أن يهجرا

عبء الصدود أخف من عبء النوى

لو كان لي في الحب أن أتخيرا

لو عاقبوني في الهوى بسوى النوى

لرجوتهم وطمعت أن أتصبرا

فسقى دمشق ووادييها والحمى

متواصل الإرعاد منفصم العرى

حتى ترى وجه الرياض بعارض

أحوى وفود الدوح أزهر نيرا

Page 1

وأعاد أياما مضين حميدة

ما بين حرة عالقين وعشترا

تلك المنازل لا أعقة عالج

ورمال كاظمة ولا وادي القرى

أرض إذا مرت بها ريح الصبا

حملت على الأغصان مسكا أذفرا

فارقتها لا عن رضى وهجرتها

لا عن قلى ورحلت لا متخيرا

أسعى لرزق في البلاد مفرق

ومن البلية أن يكون مقترا

ولقد قطعت الأرض طورا سالكا

نجدا وآونة أجد مغورا

وأصون وجه مدائحي متقنعا

وأكف ذيل مطامعي متسترا

كم ليلة كالبحر جبت ظلامها

عن واضح الصبح المنير فأسفرا

في فتية مثل النجوم تسنموا

في البيد أمثال الأهلة ضمرا

باتوا على شعب الرحال جوانحا

والنوم يفتل في الغوارب والذرى

Page 2

مترنحين من النعاس كأنهم

شربوا بكاسات الوجيف المسكرا

قالوا وقد خاط النعاس جفونهم

أين المناخ فقلت جدوا في السرى

لا تسأموا الإدلاج حتى تدركوا

بيض الأيادي والجناب الأخضرا

في ظل ميمون النقيبة طاهر ال

أعراق منصور اللواء مظفرا

العادل الملك الذي أسماؤه

في كل ناحية تشرف منبرا

وبكل أرض جنة من عدله ال

ضافي أسال نداه فيها كوثرا

عدل يبيت الذئب منه على الطوى

غرثان وهو يرى الغزال الأعفرا

ما في أبي بكر لمعتقد الهدى

شك يريب بأنه خير الورى

سيف صقال المجد أخلص متنه

وأبان طيب الأصل منه الجوهرا

ما مدحه بالمستعار له ولا

آيات سؤدده حديث يفترى

Page 3

بين الملوك الغابرين وبينه

في الفضل ما بين الثريا والثرى

لا تسمعن حديث ملك غيره

يروى فكل الصيد في جوف الفرا

نسخت خلائقه الكريمة ما أتى

في الكتب عن كسرى الملوك وقيصرا

كم حادث خفت حلوم ذوي النهى

في الروع واد رزانة وتوقرا

ثبت الجنان تراع من وثباته

يوم الوغى وثباته أسد الشرى

يقظ يكاد يقول عما في غد

ببديهة أغنته أن يتفكرا

حلم تخف له الجبال وراءه

عزم ورأي يحقر الإسكندرا

يعفو عن الذنب العظيم تكرما

ويصد عن قول الخنا متكبرا

أينال حاسده علاه بسعيه

هيهات لو ركب البراق لقصرا

وله البنون بكل أرض منهم

ملك يقود إلى الأعادي عسكرا

Page 4

من كل وضاح الجبين تخاله

بدرا فإن شهد الوغى فغضنفرا

يعشو إلى نار الوغى شغفا بها

ويجل أن يعشو إلى نار القرى

متقدم حتى إذا النقع انجلى

بالبيض عن سبي الحريم تأخرا

قوم زكوا ألا وطابوا مخبرا

وتدفقوا جودا وراعوا منظرا

وتعاف خيلهم الورود بمنهل

ما لم يكن بدم الوقائع أحمرا

حادث خفت حلوم ذوي النهى

خوفا وجأشك فيه أربط من حرا

يا أيها الملك الذي ما فضا

ثله وسؤدده ومحتده مرا

أنت الذي افتخر الزمان بجوده

ووجوده وكفاه ذلك مفخرا

ألله خصك بالممالك واجتبى

لما رآك لها الصلاح الأكبرا

أشكو إليك نوى تمادى عمرها

حتى حسبت اليوم منها أشهرا

Page 5

لا عيشتي تصفو ولارسم الهوى

يعفو ولا جفني يصافحه الكرى

أضحي عن الأحوى المريع محلأ

وأبيت عن ورد النمير منفرا

ومن العجائب أن تفيأ ظلكم

كل الورى ونبذت وحدي بالعرا

ولقد سئمت من القريض ونظمه

ما حيلتي ببضاعة لا تشترى

كسدت فلما قمت ممتدحا بها

ملك الملوك غدوت أربح متجرا

فلأشكرن حوادثا قذفت بآ

مالي إليك وحق ها أن تشكرا

لازلت ممدود البقا حتى ترى

عيسى بعيسى في الورى مستنصرا

Page 6

البحر : كامل تام

جعل العتاب إلى الصدود توص لا

ريم رمى فأصاب مني المقتلا

أغراه بي واش تقول كاذبا

فأطاعه وعصيت فيه العذلا

ورأى اصطباري عن هواه فظنه

مللا وكان تقية وتجملا

هيهات أن يمحو هواه الدهر من

قلبي ولو كانت قطيعته قلى

ما عمه بالحسن عنبر خاله

إلا ليصبح بالسواد مجملا

صافي أديم الوجه ما خطت يد ال

أيام في خديه سطرا مشكلا

كل مقر بالجمال له فما

يحتاج حاكم حسنه أن يسجلا

يفتر عن مثل الأقاح كأنما

علت منابته رحيقا سلسلا

ترف تخال بنانه في كفه

قضب اللجين ولا أقول الإسحلا

ما أرسلت قوس الحواجب أسهما

من لحظه إلا أصابت مقتلا

Page 7

فكأن طرته وضوء جبينه

وضح الصياح يقل ليلا أليلا

عاطيته صهباء كلل كأسها

حبب المزاح بلؤلؤ ما فصلا

تبدو بكف مديرها أنوارها

فتعيد كافور الأنامل صندلا

في روضة بالنيربين أريضة

رضعت أفاويق السحائب حفلا

أنى اتجهت رأيت ماء سائحا

متدفقا أو يانعا متهدلا

فكأنما أطيارها وغصونها

نغم القيان على عرائس تجتلى

وكأنما الجوزاء ألقت زهرها

فيها وأرسلت المجرة جدولا

ويمر معتل النسيم بروضها

فتخال عطارا يحرق مندلا

فكأنها استسقت على ظمأ ندى

موسى فأرسل عارضا متهللا

ولرب لائمة علي حريصة

باتت وقد جمعت علي العذلا

Page 8

قالت أما تخشى الزمان وصرفه

وتقل من إتلاف مالك قلت : لا

أأخاف من فقر وجود الأشرف ال

سلطان في الآفاق قد ملا الملا

الواهب الأمصار محتقرا لها

إن غيره وهب الهجان البزلا

ما زار مغناه فقير سائل

فيعود حتى يستماح ويسألا

ملك غدا جيد الزمان بجوده

حال ولولاه لكان معطلا

يا أيها الملك الذي إنعامه

لم يبق في الدنيا فقيرا مرملا

لقد اتقيت الله حق تقاته

ونهجت للناس الطريق الأمثلا

وعدلت حتى لم تجد متظلما

وأخفت حتى صاحب الذئب الطلا

ورفعت للدين الحنيف مناره

فعلا وكنت بنصره متكفلا

لولاك لانفصمت عرى الإسلام في

مصر وأخمل ذكره وتبدلا

Page 9

تحكمت فيها الفرنج وغادرت

أعلاجها محارب عمرو هيكلا

حاشا لدين أنت فيه مطفر

أن يستباح حماه أو أن يخذلا

أنت الذي أجليت عن حلب العدا

وحميت بالسمر اللدان الموصلا

كم موفق ضنك فرجت مضيقه

وطريقه لخائفه قد أشكلا

كم يوم هول قد وردت وطعمه

مر المذاق كريه نار المصطلا

ونثرت بالبيض المهندة الطلى

ونظمت بالسمر المثقفة الكلى

فالله يخرق في بقائك عادة الد

نيا ويعطيك البقاء الأطولا

Page 10

البحر : سريع

لو لم يخالط بينك أضلعي

قاني دمي ما كنت إلا مدعي

قد صح عندك شاهد من عبرتي

فسل الدجى ونجومه عن مضجعي

عاقبتني بجناية لم أجنها

ظلما وكم من حاصد لم يزرع

ومنعت طيفك من زيارة عاشق

حاولت مهجته فلم يتمنع

وأمالك الواشي ولولا غرة

كان الصبى سببا لها لم تخدع

فجمعت أثقال الصدود إلى النوى

فوق الملام إلى فؤاد موجع

يا راحلا والقلب بين رحاله

يقتاده حفظا لعهد مضيع

هلا وقفت على محبك حافظا

عهد الهوى فيه وقوف مودع

كيف السبيل إلى السلو ولم تعد

عقلي علي ولم تدع قلبي معي

فسقى زمانا مر لي بطويلع

صوب الحيا وسقى عراص طويلع

Page 11

فلأصبرن على الزمان وجوره

صبر امريء متجمل لم يخضع

ولألبسن من التجلد نثرة

حصداء تهزأ من سوابغ تبع

ولأشكرن حوادثا قذفت بآ

مالي إلى الملك الهمام الأروع

فضفا علي ظلال أبلج ماجد

ضافي لباس المجد صافي المشرع

ورأت أحسن منظر وخبرت أط

يب مخبر وحللت أرفع موضع

في ظل وضاح الجبين سميذع

من نسل وضاح الجبين سميذع

الأشرف الملك الذي بذل الندى

من كفه طبع بغير تطبع

ملك له يوم الهياج مواقف

مشهورة لا يدعيها مدعي

متبسم في كل يوم عابس

متوضح في كل خطب أسفع

يروي حرار السمهري بكفه

يوم الوغى من قلب كل مدرع

Page 12

سيان عند يمينه وحسامه

في الحرب هامة حاسر ومعنع

ولطالما حطم الوشيج بكفه

من بعد حشو الدرع بين الأضلع

ملك متى استسقيت بحر يمينه

جادت عليك بديمة لم تقلع

حسنت مواقعها وكم من ديمة

جهلت فجادت في سباخ بلقع

ولطالما غشي الوغى بثلاثة

في ظهر منسوب يطير بأربع

بأصم معتدل وأبيض صارم

وجنان مضاء العزيم مشيع

كم موقف ضنك فلولا صبره

فيه لوقع البيض لم يتوسع

من معشر شرعوا السماح وأرشدوا

فيه العفاة إلى طريق مهيع

فبلغت من نعماه مالا ينتهي

أملي ولم يطمح إليه مطمعي

ونهى الحوادث أن تلم بمنزلي

وصروف دهري أن تطوف بمربعي

Page 13

متبرع بالجود قبل سؤاله

والجود جود الباديء المتبرع

فغدوت أنشد جوده متمثلا

ونواله مثل السيول الدفع

ولقد دعوت ندى الكرام فلم يجب

فلأشكرن ندى أجاب وما دعى

Page 14

البحر : كامل تام

قسما بمن ضمت أباطح مكة

وبمن حواه من الحجيج الموقف

لو لم يقم موسى بنصر محمد

لعلا على درج الخطيب الأسقف

لولاه ما ذل الصليب وأهله

في ثغر دمياط وعز المصحف

Page 15

البحر : طويل

أشاقك من عليا دمشق قصورها

وولدان روض النيربين وحورها

ومنبجس في ظل أحوى كأنه

ثياب عروس فاح منها عبيرها

منازل أنس ما أمحت ولا امحت

بمر الغوادي والسواري سطورها

كأن عليها عبقري مطارف

من الوشي يسديها الحيا وينيرها

تزيد على الأيام نورا وبهجة

وتذوي الليالي وهي غض حبيرها

إذا الريح مرت في رباها كريهة

حباها بطيب النشر فيها مرورها

سقى الله دوح الغوطتين ولا ارتوى

من الموصل الحدباء إلا قبورها

فيا صاحبي نجواي بالله خبرا

رهين صبابات عسير يسيرها

أمن مرح مادت قدود غصونها

ببهجتها أم أطربتها طيورها

خليلي إن البين أفنى مدامعي

فهل لكما من عبرة أستعيرها

Page 16

لقد أنسيت نفسي المسرات بعدكم

فإن عاد عيد الوصل عاد سرورها

على أن لي تحت الجوانح غلة

إذا جادها دمع تلظى سعيرها

وقاسمتماني أن تعينا على النوى

إذا نزوات البين سار سؤورها

ففيم تماديكم وقد جد جدها

كما تريانواستمر مريرها

وأصعب ما يلقي المحب من الهوى

تداني النوى من خلة لا يزورها

فيا ليت شعري الآن - دع ذكر ما مضى -

أوائل أيام النوى أم أخيرها

متى أنا في ركب يؤم بنا الحمى

خفاف ثقال بالأماني ظهورها

حروف بأفعال لهن نواصب

إذا آنست خفضا فرفع مسيرها

تظن ذرى لبنان والليل عاكف

صديع صباح من سراها يجيرها

وقد خلفت رعن المداخل خلفها

ونكب عنها من يمين سنيرها

Page 17

فيفرح محزون ويكبت حاسد

وتبرد أكباد ذكي سعيرها

وقد ماتت الآمال عندي وإنما

إلى شرف الدين المليك نشورها

مليك تحلى الملك منه بعزمة

بها طال من رمح السماك قصيرها

يلاقي بني الآمال طلقا فبشره

بما أملته من نجاح بشيرها

فما نعمة مشكورة لا يبثها

وما سيرة محمودة لا يسيرها

همام تظل منه الشمس منعزماته

محجبة نقع المذاكي ستورها

مهيب فلو لاقى الكواكب عابسا

تساقطت الجوزا وخرت عبورها

تشرف أندى السحب إن قال قائل

لأدنى نوال منه هذا نظيرها

حلفت بما ضمت أباطح مكة

غداة منى والبدن تدمى نحورها

لقد فاز بالملك المعظم أمة

إلى عدله المشهور ردت أمورها

Page 18

البحر : طويل

عسى البارق الشامي يهمي سحابه

فتخضل أثباج الحمى ورحابه

وتسري الصباي جانبيه عليلة

كما فتقت من حضرمي عيابه

خليلي ما لي بالجزيرة لا أرى

للمياء طيفا يزدهيني عتابه

فيا من لراج أن تبيت مغذة

ببيداء دون الماطرون ركابه

إذا جبل الريان لاحت قبابه

لعيني ولاحت من سنير هضابه

وهبت لنا ريح أتتنا من الحمى

تحدث عما حملتها قبابه

وقامت جبال الثلج زهرا كأنها

بقية شيب قد تلاشى خضابه

ولاحت قصور الغوطتين كأنها

سفائن في بحر يعب عبابه

وأعرض نسر للمصلى غدية

كما انجاب عن ضوء النهار ضبابه

لثمت الثرى مستشفيا بترابه

ومن لي بأن يشفي غليلي ترابه

Page 19

ومستخبر عنا وما من جهالة

كشفت الغطا عنه فزال ارتيابه

وأذكرته أيام دمياط بيننا

وبين العدى والموت تهوي عقابه

وجيشا خلطناه رحاب صدوره

بجيش من الأعداء غلب رقابه

وقد شرقت زرق الأسنة بالدما

وأنكر حد المشرفي قرابه

وعرد إلا كل ذمر مغامس

ونكب إلا كل زاك نصابه

تركناهم في البحر والبر لحمة

تقاسمهم حيتانه وذئابه

ويوما على القيمون ماجت متونه

بزرق أعاديه وغصت شعابه

نثرنا على الوادي رؤوسا أعزة

لكل أخي بأس منيع جنابه

ورضنا ملوك الأرض بالبيض والقنا

فذل لنا من كل قطر صعابه

فكم أمرد خط الحسام عذاره

وكم أشيب كان النجيع خضابه

Page 20