Discussions on Creed in Surah Az-Zumar
مباحث العقيدة في سورة الزمر
Publisher
مكتبة الرشد،الرياض،المملكة العربية السعودية
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤١٥هـ/١٩٩٥م
Genres
يحصل إلا ما كان في الأزل فإن قالوا إنه لم يحصل إلا ما كان في الأزل، قبل ذلك كان حاصلًا بدون ما أحدثه من المفعولات فامتنع أن تكون المفعولات قد فعلت لكي يحصل ذاك فقولهم: "هذا يتضمن أن المفعولات تحدث بلا سبب يحدثه الله، كذلك يتضمن أن الله يفعلها بلا حكمة يحبها ويرضاها"١.
فهذه المذاهب الثلاثة كما رأينا ليس عند أصحابها أدلة قوية تثبت أقوالهم في صفة الحكمة، بل كلها انتحالات فلسفية مبنية على شفا جرف هاوٍ كلها انهارت بما أورد عليها من مناقشات صارمة فلم يبق إذن إلا المذهب الحق الصحيح وهو ما عليه أهل السنة الذي شهدت له النصوص الكثيرة من أن لله - تعالى - حكمة تتعلق به يحبها ويرضاها ويفعل لأجلها فهو - سبحانه - وتعالى يفعل ما يفعل لحكمة يعلمها وهو يعلِّم العباد أو بعضهم من حكمته ما يطلعهم عليه وقد لا يعلمون ذلك والأمور العامة التي يفعلها تكون لحكمة عامة ورحمة عامة كإرساله محمدًا ﷺ فإنه كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ ٢ ولو قال إنسان: ما رسالة النبي ﷺ تضررت منها طوائف كثيرة من الناس كالذين كذبوه من أهل الكتاب والمشركين فالرد على هذا أنهم انتفعوا بحسب الإمكان حيث أضعف شرهم الذي كانوا يعملونه ولولا الرسالة بإظهار الحجج القاطعة، والآيات البينة التي زلزلت ما في قلوبهم، وبالجهاد والجزية صاروا أذلاء صاغرين لكان شرهم أشد وأعظم والضرر الذي حصل لهم شيء يسير بجانب ما حصل لهم من النفع الكثير، ومثل ذلك كنزول المطر الذي يعم نفعه البلاد والعباد، ويحصل منه خراب بعض البيوت، أو حبس بعض المسافرين والمكتسبين فما كان نفعه ومصلحته عامة كان خيرًا مقصودًا ورحمة محبوبة ولو تضرر به بعض الناس فكل ما حدث في الوجود من الضرر لا بد أن يكون فيه حكمة كما قال - سبحانه - ﴿صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ ٣، وكما قال - سبحانه ـ: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ ٤ والضرر الذي تحصل به حكمة مطلوبة لا يكون شرًا مطلقًا، وإن كان شرًا بالنسبة إلى من تضرر به، ولهذا لا يأتي في كلام الله وكلام رسوله إضافة الشر وحده إلى الله وإنما يذكر على أحد وجوه ثلاثة:
١- مجموعة الرسائل والمسائل ٥/١٦٤. ٢- سورة الأنبياء، آية: ١٠٧. ٣- سورة النمل، آية: ٨٨. ٤- سورة السجدة، آية: ٧.
1 / 88