Dirasat Fi Madhahib Adabiyya Wa Ijtimaciyya
دراسات في المذاهب الأدبية والاجتماعية
Genres
إلا أن الأستاذ طبانة لم يضيع على القراء شيئا ذا خطر بنسيان هذا الفصل من فصول كتابه الجامع المستفيض؛ لأن تعليقاته على مناهج النقاد عصرا بعد عصر قد تكفي كل الكفاية لتحقيق الغرض من تأليف أمثال هذا الكتاب، وذلك هو بيان النقص عند أدعياء النقد بين المعاصرين، وهي وجوه شتى من النقائص الكثيرة قد تتلخص في سطر واحد يغني عن صفحات ... ففي سطر واحد يدل المؤرخ على أدعياء النقد الحديث كل الدلالة حين يقول عنهم إنهم نقاد بغير أداة.
إن الناقد الذي توافرت له أداة النقد من المعرفة واللغة والأمانة والاطلاع على مراجع النقاد هو أديب قادر على الإنتاج، مخصب القريحة بثمرات الإجادة والافتنان، مميز للمحاسن غير مقصور الفهم على تمييز النقائص والعيوب؛ لأنه عارف بالقدرة التي تنتج المحاسن وترتفع به إلى الإجادة في التفكير والتعبير، وقل أن يحتاج الناقد إلى من يعلمه مواطن العيوب من علمه بمواطن الحسنات؛ لأن أجهل الجهلاء بالبناء قد يدرك عيوب القصور والصروح، كما يدرك عيوب الخصائص والأكواخ.
وكتاب الدكتور طبانة يرفع القناع عن علة الاندفاع إلى هذه المذاهب الخاوية التي يروج لها دعاة النقد بغير أداته ... فإنهم فضوليون على موائد الأدب لا يحسنون الطهو ولا يبذلون نفقة الطعام، ولا تستجاب عندهم دعوة الضيوف، فلا عجب يسقطون من أداة النقد عندهم كل عدة غير عدة الدعوى بغير حجة وبغير ميزان، وهكذا يكون النقد للأدب الذي لا تشترط فيه اللغة ولا العروض ولا المعنى ولا القياس المطرد في منطق العقول ... كلا ... بل لا يشترط فيه العقل ولا يراد فيه من الأديب والناقد غير الخوض في لجاج مهزول مجهول، لا معقول ولا مقبول.
الفصل الحادي والعشرون
مرداد
قصة لا تقبل التلخيص، ولا تعرفها حق معرفتها إلا بأن تقرأها من الألف إلى الياء، أو من صفحتها الأولى إلى صفحتها الأخيرة، وتعود إليها بعد ذلك كلما شئت أن تعود فستطلع منها على معنى جديد.
هذه هي قصة «مرداد» التي ألفها الأديب اللبناني الكبير الأستاذ ميخائيل نعيمة بالإنجليزية، وبلغ بها القمة بين عليا القمم التي ارتقى إليها المؤلفون العصريون في سائر اللغات.
وهي لا تقبل التلخيص لسببين: أحدهما أنها تجربة روحية، وكل تجربة فهي كالروح نفسها كل كامل يستعصي على التجزئة، ولا تكون التجزئة بالنسبة إليه إلا كما يكون التفتيت بالنسبة إلى البنية الحية، يسلبها الحياة ويرد الأعضاء منها إلى أشلاء.
والسبب الآخر الذي يستعصي بها على التلخيص أنها تخاطبك بلغة الرموز الصوفية، والرموز الصوفية في جانب من جوانبها أشبه شيء بالقيم الرياضية التي تدل عليها الحروف، فلا يغني حرف منها عن سائرها ولا يزال كل حرف منها منطويا على قيم مخزونة فيه، ولكنها لا تخزن في سواه.
ورموز الصوفية بعد إشارات وإيماءات، فهي لا تقبل الإيجاز لأنها هي غاية غاية الإيجاز.
Unknown page