Dirasat Fi Madhahib Adabiyya Wa Ijtimaciyya
دراسات في المذاهب الأدبية والاجتماعية
Genres
وبهذا الفن يضاف أسلوب التقليد الساخر إلى أساليب النقد الاجتماعي في قصائد الهجاء والمقامات والمقالات التصويرية إلى جانب الأمثال والنوادر وسائر فكاهات الأدب في اللغة العربية، ولا يعوز الأدب العربي من أساليب الفكاهة التي تشيع الآن في الآداب العالمية غير أساليب المسرح والرواية، وهما من ألوان الأدب التي نشأت بين الأوروبيين ولم تنشأ بين العرب لأسباب ترجع إلى الاختلاف في شعائر العبادة على عهد الوثنية الأولى.
أما فكاهات الأدب العربي في العصر الحديث فإن المشابهة بين موضوعاتها وموضوعات الآداب العالمية متقاربة متناظرة، يقترن فيها أدب المسرح والقصة بأدب القصيدة والمقالة والتقليد الساخر والمثل السائر، فإن يكن بينهما فارق ظاهر فهو كما أسلفنا «فارق النكتة السريعة والعبارة الوجيزة والولع بإبراز صفة المروءة والفطنة وازدراء صفة اللؤم والذلة» مع الاختلاف بين عربي الأمس وعربي اليوم في تقدير معنى المروءة وآدابها، فإنها من الأمور التي لا تثبت على وتيرة واحدة في عصرين أو حضارتين.
الفصل الثالث عشر
شعراء المهجر الجنوبي
إن المهاجر بطبيعته إنسان طليق مقدام، ليس يطيق البقاء حيث يضيق به المقام، ولا يهاب المخاطرة بالإقدام على المجهول، إذا كان «المعلوم» الذي يعرفه ويعيش فيه يكلفه ما هو أشد عليه من المخاطرة، وهو الصبر على الحجر والهوان.
والمهاجرون إلى الجنوب في أمريكا الجنوبية أحوج إلى هذه الخصلة من إخوانهم الذين هاجروا إلى أمريكا الشمالية؛ لأن المهاجر إلى ولايات الشمال من العالم الجديد ينزل بأرض ممهدة ويقدم على خطط مرسومة معبدة، ويكاد يعرف كل ما سيصيبه في هجرته قبل فراقه لوطنه، فلا يبقى بين يديه غير التجربة التي لا اقتحام فيها، وعلى خلاف ذلك مهاجر الجنوب.
إنه ليجدد «نصف مجازفة» كولمبس بعد نزوله بدار الهجرة، وإنه ليصنع لنفسه من جديد كل ما صنعه المقتحمون من حوله ولو كانوا من أبناء القارة الأصلاء، وإنه باسم المكتشف لأحرى منه باسم المهاجر الغريب! ... وهكذا كل من حوله من الغرباء، وغير الغرباء.
وهو على هذه الحالة أحوج من سائر المهاجرين إلى العلاقة الروحية بكل ما فارقه في دار مولده أو دار نشأته الأولى.
وماذا فارق في ذلك المولد؟ أو في ذلك المنشأ؟
إننا إذا استقصيناه وحاولنا أن نجمعه في علاقة واحدة لم نجد في النهاية غير علاقة اللغة وتراث اللغة، وكل ما تحفظه اللغة بمبناها ومعناها.
Unknown page