Dirasat Fi Madhahib Adabiyya Wa Ijtimaciyya
دراسات في المذاهب الأدبية والاجتماعية
Genres
إلا أن هناك نقدا «معاصرا» يلوح على ظاهره بعض الوجاهة وهو أن المعاملة بالتسليف مدار حركة واسعة في التجارة وأعمال المصارف والشركات تصيب الحالة الاقتصادية بالشلل في العصر الحاضر، وهي تمتنع بمنع الفوائد على الأموال إذا حسبت هذه الفوائد من الربا المحرم في الإسلام، ولتقرير الحقيقة في هذه المسألة ينبغي أن نفرق بين فوائد القروض في العصور الغابرة وفوائد القروض في العصر الحاضر، فإن الاختلاف بينها جوهري مع وحدة التسمية والعنوان.
فالقرض في العصور الغابرة كان على أغلبه وأعمه تفريج ضائقة، ولم يكن كما نعهده الآن نظاما من أنظمة المعاملات المتداولة، وكان المرابون يرهقون المضطرين من طلاب الديون، فيضيفون إلى الدين مثله أو ما يقرب من مثله إذا حل موعده وتأخر المدين عن سداده، وهذا هو الربا بالنسيئة أو أكل الربا أضعافا مضاعفة كما جاء في القرآن الكريم، وقد حرمته التوراة وحرمه آباء الكنيسة بل حرمه الفلاسفة قديما، وتوسع أرسطو في التحريم فاعتبر المتاجرة بالمال نفسه محظورا يخالف طبيعة المال الذي جعل ليكون واسطة لتبادل السلع ولم يجعل ليكون سلعة تباع وتشترى في الأسواق، ولم يسوغ القانون الروماني القديم فرض الفوائد على القروض إلا على اعتبارها تعويضا عن خسارة لحقت بصاحب المال.
ولا نريد أن نخوض هنا في آراء الفقهاء وتقسيماتهم لأنواع الربا، فحسبنا من ذلك أن أكل الربا أضعافا مضاعفة محرم بجميع الشرائع في الوقت الحاضر، وأن الإسلام لا يحرم أن ينقسم الربح بين صاحب المال ومستغل المال قسمة عادلة لا ظلم فيها على الطرفين، وإجراء المعاملة على هذا الأساس كاف لانتظام الحركة الاقتصادية على التسليف والثقة إن كان هذا هو المقصود من التعاون بين أصحاب الأموال وأصحاب «المشروعات» والأعمال، أما تكديس المال لاستخدامه في تسخير العاملين فهو نكبة العصر الحديث وإلغاؤه تتبعه مصلحة كبرى، ولا يتبعه تعطيل للحركة الاقتصادية سواء في عصر رأس المال أم في غيره من العصور.
وحكم الإسلام في الاقتصاد القومي هو التوسط بين كنز الذهب والفضة وبين الإعراض عن نصيب الإنسان من الدنيا
ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا (الإسراء: 29)
والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما (الفرقان: 67) ومثل هذا القصد هو لباب الاقتصاد للجماعات والآحاد.
الفصل الثاني والثلاثون
الإسلام والحضارة الإسلامية
الإسلام دين إنساني عام، أو دين عالمي كما نقول في اصطلاح العصر الحديث، يخاطب الأمم جميعا، فلا فرق بين أمة وأمة بفارق الجنس أو اللون أو اللغة، فكل إنسان في جوانب الأرض أهل لأن يأوي إلى هذه الأخوة الإنسانية، حيث شاء وحين يشاء.
وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا .
Unknown page