Dirasat Fi Madhahib Adabiyya Wa Ijtimaciyya
دراسات في المذاهب الأدبية والاجتماعية
Genres
فإذا حاسبنا الدولة الإسلامية بهذا الحساب فالأحكام الاقتصادية التي لخصناها كانت هي هي أحكامها في أيام الصولة والسعة وأيام الضعف والانقسام، وكل ما اختلف عليها إنما هو طريقة الحاكم في تنفيذها أو طريقة الحكومات في التزام الأمانة لواجباتها.
مثال ذلك أن الخليفة عمر بن الخطاب كان يستبقي الأرض لمن يزرعونها ويحاسب ذوي الإقطاع على استصلاحها، فخرج بعض الأمويين على هذه السنة ووزعوا الأرض على أشياعهم ولم يسألوا بعد ذلك عن صلاحها وعمارها.
ومثاله أن - رضي الله عنه - كان يفرض على أرض السواد درهما واحدا وصاعا واحدا على الجريب من الأرض المروية، وخمسة دراهم على الجريب من أرض المرعى، وعشرة دراهم على الجريب من أرض البساتين التي تثمر الفاكهة، وكانت الدولة العباسية في إبانها تتحرى التخفيف عن الرعية ويكتب فقيهها أبو يوسف إلى خليفتها الرشيد: «أن تتقدم في الرفق بأهل ذمة نبيك وابن عمك محمد
صلى الله عليه وسلم
والتفقد لهم؛ حتى لا يظلموا ولا يؤذوا ولا يكلفوا فوق طاقتهم، ولا يؤخذ شيء من أموالهم إلا بحق يجب عليهم، فقد روي عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم
أنه قال: «من ظلم معاهدا أو كلفه فوق طاقته فأنا حجيجه».»
وقد كان لاتباع هذه الأحكام أثره كما كان لمخالفتها أثرها، ولم تتغير الأحكام في الحالتين.
ومثاله أيضا أن التزام الجباية كان من أحسن الأنظمة والدولة مكينة والحكام ساهرون؛ لأنه كان يعفي الزراع من نفقات الدواوين ووظائفها الكثيرة، ويجب على الملتزم أن يخدم الأرض كأنه يخدم مرافقه وموارد رزقه، فلما اختلت الدولة وفسد حكامها كان هذا الالتزام بعينه شرا على الجباة وشرا على الزراع؛ لأنه عرض الملتزمين لاستصفاء أموالهم وإبطال التزامهم وعرض الزراع للشطط من الحكام والملتزمين.
فالأحكام كافية والحكام هم الذين يتفاوتون في القدرة على إجرائها والإخلاص في رعايتها، وشبيه هذا يحدث عندما يسري النظام الدستوري الواحد على أمتين متجاورتين، فتسعد به أمة وتشقى به جارتها، أو تسعد به الأمة الواحدة في زمن وتشقى به في زمن آخر، وليس الذنب ذنب الدستور ولكنه ذنب الحاكمين والمحكومين.
Unknown page