Dirasat Falsafiyya Islami
دراسات فلسفية (الجزء الأول): في الفكر الإسلامي المعاصر
Genres
12
وعند بعض اتجاهات المعارضة وجماعات الرفض حتى أتت المذاهب الاشتراكية الحديثة ينتسب إليها المثقفون والعمال فيسهل حصارهم واتهامهم بالكفر والإلحاد، والخيانة والعمالة.
إن إحدى قضايانا الأساسية هي بلا شك قضية توزيع الثروة. فلدينا يضرب المثل بأقصى المجتمعات غنى وبأشدها فقرا، مجتمع البطنة والترهل، ومجتمع الجوع والقحط، مجتمع البذخ والترف ومجتمع البؤس والحرمان، وبالتالي نشأت الحاجة لدينا إلى الأفكار الاجتماعية والمذاهب الاشتراكية، فلا نجد إلا العلمانية منها التي يسهل حصارها وعزلها فيضيع أثرها. هذا هو التحدي الحقيقي. وطالما قامت النظم التي تقبل بهذا التفاوت على الإسلام، تستمد شرعيتها منه وتحكي باسمه. مع أن الحاكم في الإسلام آخر من يأكل وآخر من يشرب وآخر من يسكن، وسيرة الخلفاء فينا ما زالت حاضرة. (6)
التقدم: وقد أصبح التقدم هدفا وطنيا عاما تصبو إليه الأمة بجميع فرقها. وفي الحقيقة إن التقدم مسار الوحي، وبسببه تتوالى النبوات منذ أولى مراتبها حتى آخر مراحلها فتحقق هدفها وهو استقلال الوعي الإنساني عقلا وإرادة.
13
والتقدم موجود داخل آخر مرحلة من مراحل الوحي في «الناسخ والمنسوخ»، تقدم في الشريعة، وإعادة صياغتها طبقا للقدرات الإنسانية. ومصادر الشرع أربعة تدل على تقدم كل مصدر على الآخر: السنة تقدم على القرآن في الزمان، والإجماع تقدم على السنة، والقياس تقدم على الإجماع. كل عصر يمثل تقدما بالنسبة للعصر السابق. لذلك أمكن لكل عصر أن يؤسس إجماعه. كما تحتوي المبادئ اللغوية في علم الأصول مثل الحقيقة والمجاز، والمحكم والمتشابه، المجمل والمبين، المطلق والمقيد، على حركة في التشريع من أجل التقدم، تقدم جيل على جيل، وإثبات للزمان، ودور الأجيال في الاجتهاد. وفي أصول الدين ظهر التقدم في الصلاح والأصلح عند المعتزلة، وفي النبوة أي تاريخ الإنسانية في الماضي، وفي أمور المعاد أي تاريخ الإنسانية في المستقبل.
ولكن الذي رسب فينا هو تصور آخر يرى التاريخ في سقوط مستمر، وأن السلف خير من الخلف.
14
وهو آخر جزء من العقائد بعد الإمامة، وترتيب الخلفاء والأئمة تبعا للأفضلية، اعتمادا على أحاديث مثل «خير القرون قرني ...» فتصورنا التاريخ في سقوط مستمر بعد الخلفاء الأربعة، من النبي إلى الصحابة إلى التابعين إلى تابعي التابعين. وبالتالي نحاول المساهمة في صنع التقدم والتاريخ يتساقط من بين أيدينا. وهذا هو المنبع الدائم للحركة السلفية وحركة النهوض بالعودة إلى الوراء. وعلى أفضل تقدير، نضع أنفسنا خارج التاريخ والزمان بعد أن أعطانا الله الزمان كله أي الخلود، وما دونه الفناء. فضاعت الحركة عن التاريخ، ولم ندرك التطور كسنة له.
15
Unknown page