Dirasat Falsafiyya Gharbiyya
دراسات فلسفية (الجزء الثاني): في الفلسفة الغربية الحديثة والمعاصرة
Genres
1
وهنا ظهرت فلسفة التاريخ في القرن الثامن عشر لتزيد على هذه المكتسبات مفهوم التقدم إجابة على سؤال: كيف تتقدم الشعوب؟ ما هي مراحل ارتقاء الإنسانية؟ وتكاد تجمع جميع فلسفات القرن الثامن عشر والتاسع عشر (باستثناء كوندرسيه الذي جعل المرحلة العاشرة مستقبل الإنسانية وفلسفات القرن العشرين التي تعلن نهاية الحضارة الغربية وأفول الغرب) أن الإنسانية قد وصلت إلى مرحلة النضج والكمال، وأنها لم تعد في حاجة إلى وصاية خارجية من الآلهة أو الأبطال، من الأنبياء أو السحرة، من الحكام أو الآباء. فإذا ما وعت الشعوب مراحل تطورها أمكنها بعد ذلك أن تتحرك، وأن تأخذ مصائرها بأيديها، وأن تنقل أنفسها من مرحلة إلى مرحلة؛ وبالتالي كانت فلسفة التاريخ هي الممهدة للثورة الفرنسية، أعظم إنجاز للغرب، وأكبر مفجر لطاقات فلسفة التنوير التي كانت الأساس النظري الذي خرجت منه فلسفة التاريخ.
ويعتبر فيكو
Vico (1668-1744م) مؤسس فلسفة التاريخ قبل تأسيسها في فرنسا على يد مونتسكيو (1689-1759م)، روسو (1712-1778م)، فولتير (1694-1778م)، تورجو (1727-1781م)، كوندرسيه (1743-1794م) أو حتى في ألمانيا على يد لسنج (1729-1781م)، هردر (1744-1803م)، كانط (1724-1804م)، ولكن كتاب فيكو «العلم الجديد» لم يعرف خارج إيطاليا إلا في القرن التاسع عشر بعد أن ظهرت له ترجمة ألمانية في 1822م وأخرى فرنسية قام بها ميشليه في 1827م؛ لذلك لم يؤثر في تطور فلسفة التاريخ إلا بعد قرن من الزمان.
وقد ظهرت الطبعة الأولى من «العلم الجديد» في 1725م وفيكو عمره سبعة وخمسون عاما، والثانية في 1730م، والثالثة في 1744م. وكان فيكو أستاذ القانون والفلسفة وأستاذ البلاغة اللاتينية في جامعة نابلي بإيطاليا. وهو كتاب ضخم مملوء بالتكرار والحواشي والأخطاء التاريخية، مرقمة فقراته مثل «خاطرات بسكال» وعلى طريقة الفلاسفة في القرنين السابع عشر والثامن عثر، وكثير منها لا يفيد مما جعل المترجم يلخصها مستبعدا التكرار والحواشي الزائدة التي لا دلالة لها بالنسبة للموضوع. وتصعب قراءة الكتاب في النص الإيطالي من الإيطاليين أنفسهم. كما أن الترجمة إلى أية لغة صعبة وثقيلة نظرا لما في الكتاب من تكرار وإشارات دائمة إلى الآداب القديمة. لم يستعمل فيكو أية حواشي أو مراجع في الهوامش بل ذكر كل شيء في صلب الصفحة وداخل النص مستعملا مراجعه على نحو جدلي لا يتقنه إلا من عاش في عصره وبغير ذي فائدة الآن. بل إنه يعد الآن عائقا في فهم الكتاب وفكرته الأساسية في تطور الشعوب.
2
ثانيا: ماذا يعني «العلم الجديد
للطبيعة المشتركة بين الأمم»؟
وعنوان الكتاب هو «مبادئ العلم الجديد لجيامباتستا فيكو الخاص بالطبيعة المشتركة بين الأمم».
1
Unknown page