Dirasat Falsafiyya Gharbiyya
دراسات فلسفية (الجزء الثاني): في الفلسفة الغربية الحديثة والمعاصرة
Genres
Redaction criticism
في كيفية تدوين الإنجيل وبواعث الكاتب وأهداف الجماعة. فالأناجيل ليست تواريخ حياة لعيسى بل تحتوي على عقائد وآراء متأخرة ظهرت في الجماعة المسيحية المتأخرة، وتم تدوين الأناجيل طبقا لها بحركة ارتدادية
Retrograde
عن طريق قراءة الحاضر في الماضي وترائيه فيه كما يقول برجسون. لقد لبى التراث حاجات الكنيسة وحقق أغراضها. وهذه إحدى مسلمات ديبليوس الرئيسية التي على أساسها يعيد بناء الأناجيل طبقا لحاجات الجماعة المسيحية الأولى. وبالرغم من أن بولتمان يبدأ بتحليل النص ويذهب منه إلى الكنيسة، إلا أنه يؤكد عدم الاستغناء عن الصورة المؤقتة للجماعة المسيحية الأولى وتاريخها حتى يمكن تفصيلها بعد تحليل النص النهائي. وهنا تبدو أهمية تاريخ الأديان المقارن واعتماد «تاريخ الأشكال الأدبية» على ما يقدمه من مقارنات بين الأديان. يرى ديبليوس أن الحركة المسيحية بدأت من دائرة آرامية فلسطينية حول عيسى. ثم أتت بعد ذلك مسيحية هلينية سابقة على بولس وقريبة من اليهودية؛ إذ كانت الكنائس المسيحية السابقة على بولس في مناطق تتحدث اليونانية دون أن تقطع صلاتها باليهودية. ثم أتت بعد ذلك كنيسة بولس أقل ارتباطا باليهودية. فالأناجيل المتقابلة عند ديبليوس لم تحصل على شكلها من الكنيسة الفلسطينية التي تتحدث الآرامية أو من كنيسة بولس المتأخرة بل من الكنائس الهلينية السابقة على بولس والمرتبطة ارتباطا وثيقا باليهودية. وقد أكدت هذه الكنائس أن إيمان اليهودية وآمالها قد اكتملت بقدوم المسيح؛ عيسى المسيح. فقد اهتمت هذه المسيحية بتراث عيسى من وجهة نظر أن الخلاص المنتظر طويلا قد أتى. لم يكن الهدف إذن تاريخيا بل مشيانيا
Messianic . وقد قام المبشرون والوعاظ والمعلمون بنقل هذا التراث. فالتبشير هو أساس التراث ومصدر التاريخ وعلى أساسه تم تكوين المواد وتوجيهها طبقا للأغراض التي تهدف إلى تحقيقها من أجل خدمة التبشير والوعظ طبقا لحاجات الكنيسة. ولهذا السبب كتب ديبليوس «الرسالة والتاريخ»
Botschaft und Geschichte . ولم يستغن بولتمان عن هذه الصورة المؤقتة لحياة الجماعة المسيحية الأولى قبل تحليل الوحدات الصغيرة في الأناجيل المتقابلة ولكنه اقتصر على تقسيم المسيحية الأولى إلى قسمين رئيسيين؛ المسيحية الفلسطينية والمسيحية الهلينية. ولهذا كتب بولتمان «المسيحية الأولى في إطار الديانات القديمة». (ه)
تصنيف الأشكال:
إن أية قراءة فاحصة للأناجيل تبين أن كتابها أخذوا وحدات من المواد كانت لها أشكال أدبية خاصة بها قبل أن تتشكل. ولا يعني ديبليوس بذلك المستوى الجمالي لفن روائي صاغه عبقري، بل يعني الأسلوب الأدبي، أسلوب الصورة التي خلقتها الجماعة المسيحية الأولى على منوال الأشكال الأدبية الموجودة في شعورها من تراثها الديني القديم أو من الآداب الشعبية الموروثة. فاستعمال الوحدة يحدد صورتها وليست نظرية نقدية مسبقة. وقد تطورت الأشكال ذاتها ابتداء من الحياة المسيحية الأولى وعبر حياتها في الكنيسة. لم تكن كاملة في البداية بل كانت ذكريات مليئة بالانفعالات حول التوبة ولنشر الدين والإكثار من المؤمنين. ثم أخذت أشكالا كي تصبح أكثر قدرة على جلب التوبة والإيمان الأكثر تأثيرا في النفوس. واعتمادا على هذه المسلمات كلها أصبح الهدف الرئيسي لتاريخ الأشكال الأدبية هو تتبع تاريخ هذه الأشكال وتصنيفها اعتمادا على مبادئ النقد الأدبي وبتحليل البيئة الشعبية والآداب القديمة، ولكن يظل الهدف الأساسي هو تحديد الأنواع الأدبية بصرف النظر عن مضامينها.
2
ويختلف زعماء مدرسة تاريخ الأشكال الأدبية حول تصنيف الأشكال وأسمائها، ولكن أشهر التصنيفات هي تلك التي أوردها زعيما المدرسة ديبليوس وبولتمان. كما يصعب التمييز بين مقاييس التصنيف والعوامل التي ساعدت على تحديد الأنواع الأدبية مثل طريقة عرض المادة (صورة ومضمونا)، والباعث على وجودها الحالي (البيئة الحياتية التي ولدت فيها)، وأوجه الشبه بينها وبين الآداب الأخرى. كما يصعب تحديد الأنواع الأدبية من حيث الشكل فحسب دون أخذ المضمون في الاعتبار؛ إذ يمكن تحديد النوع الأدبي كما هو الحال في الأمثال التي لها ما يشابهها في العهد القديم وفي أدب الأحبار. فأمثال الرب لها شكل محدد؛ عبارة جبرية، صيغة استفهامية، خطاب أمري، تعجب نبوي، ولكن المضمون وحده هو القادر على تحديد نوع الفقرة أو المقطع أو أغلب الروايات التي ليس لها شكل واضح مثل الحكايات الخيالية أو الأساطير. ويكون هذا التصنيف مثاليا لو أن النص الأدبي يطابقه تماما، ولكن الحال ليس كذلك. فالتصنيف يعطي الشكل الأدبي في حالته الخالصة، ولكن في أغلب الحالات تكون الأشكال متداخلة
Unknown page