Dirasat Can Muqaddimat Ibn Khaldun
دراسات عن مقدمة ابن خلدون
Genres
أقام ابن خلدون في الإسكندرية مدة شهر؛ لتهيئة أسباب الحج، ولكن ذلك لم يتيسر له عامئذ، فانتقل إلى القاهرة.
وكانت شهرته وصلت إلى مصر منذ مدة، ولذلك عندما جلس للتدريس بالجامع الأزهر؛ «انثال عليه طلبة العلم»، واستطاع هو أن يخلب ألباب هؤلاء بطلاقة لسانه وسحر بيانه، وزادت شهرته من جراء ذلك في البلاد.
ثم اتصل بالسلطان، ونال عطفه ورعايته؛ لأنه - حسب تعبير ابن خلدون - «أبر اللقاء وأنس الغربة، ووفر الجراية من صدقاته شأنه مع أهل العلم.»
ولذلك عزم ابن خلدون على الاستقرار في مصر، وطلب أهله وولده من تونس، ولكن سلطان تونس «صدهم عن السفر اغتباطا بعوده إليه»، عندئذ طلب ابن خلدون من «السلطان صاحب مصر الشفاعة إليه في تخلية سبيلهم»، والسلطان المشار إليه لبى طلبه وأرسل خطابا مؤثرا إلى سلطان تونس، وبناء على هذا الخطاب، سافرت العائلة من تونس، ولكن السفينة التي كانت تقلهم غرقت في البحر، ولم يتيسر لابن خلدون الالتقاء بهم.
لم يعد ابن خلدون في مصر إلى الحياة السياسية، ولم يطمع في منصب غير مناصب التدريس والقضاء والمشيخة.
تولى مناصب التدريس والقضاء عدة مرات؛ عين أولا مدرسا في المدرسة القمحية، ثم ولي منصب «قاضي القضاة المالكية».
إن هذه المناصب كانت في ذلك العهد عرضة إلى تبديلات كثيرة؛ ولذلك عزل منها، ثم أعيد إليها مرات عديدة.
إنه تولى التدريس - بعد المدرسة القمحية - في المدرسة الظاهرية، ثم في مدرسة صرغتمش، وبعد ذلك تولى مشيخة خانقاه البيبرسية ، وأما منصب قاضي القضاة المالكية فعزل منها وأعيد إليها خمس مرات.
إن صرامة ابن خلدون في الأحكام، خلال توليه مهام القضاء، أثارت إعجاب الكثيرين من جهة، ومشاغبات الكثيرين من جهة أخرى، وانقسم معاصروه في مصر بين المعجبين به إعجابا شديدا، وبين الناقمين عليه نقمة عنيفة.
لم ينقطع ابن خلدون خلال هذه المدة من مراجعة تأليفه أيضا، إنه أضاف إلى كتابه فصولا كثيرة، ووسع بوجه خاص أبحاثه المتعلقة بتاريخ المشرق، وأضاف بعض الفصول والفقرات إلى المقدمة، وغير بعض فصولها تغييرا كليا، ثم قدم نسخة منه إلى الملك الظاهر، وانتهز فرصة سفر وفد من السلطان المشار إليه إلى سلطان المغرب، فأرسل مع الوفد المذكور نسخة منه إلى خزانة الكتب في جامع القرويين بفاس، مهداة إلى «السلطان أبي الفارس عبد العزيز». (ومن المعلوم أن طبعة بولاق والطبعات المتفرعة منها تستند إلى هذه النسخة التي عرفت باسم «الفارسية» بالنسبة إلى اسم السلطان «أبو فارس عبد العزيز»).
Unknown page