Dirasat Can Muqaddimat Ibn Khaldun

Satic Husri d. 1388 AH
50

Dirasat Can Muqaddimat Ibn Khaldun

دراسات عن مقدمة ابن خلدون

Genres

كانت دولة بني عبد الواد أضعف هذه الدول الثلاث، وأشدها تعرضا إلى الفتن والتقلبات؛ لأنها كانت محصورة بين الدولتين الأخرتين، فكانت مضطرة إلى توزيع قواها على الجبهتين، وفضلا عن ذلك فإن عاصمتها تلمسان لم تكن بعيدة عن مدينة فاس، التي كانت عاصمة بني مرين الأقوياء.

ولذلك كانت حدود هذه الدولة في حالة جزر ومد؛ تتوسع تارة، وتتقلص طورا، وتتلاشى في بعض الأحيان، فقد استولى بنو مرين على عاصمتها عدة مرات، فاضطر أمراؤها إلى الانتباذ في الجبال والقفار، أو الالتجاء إلى الأقطار العربية الأخرى؛ انتظارا لسنوح الفرص التي تساعدهم على استعادة ملكهم، واسترداد عاصمتهم من المستولين عليها.

إن أحوال الدولة المرينية والدولة الحفصية كانت أكثر استقرارا من ذلك، إلا أن هذا الاستقرار كان نسبيا؛ كان الحكم قد استقر في الأسرة المرينية في فاس، والأسرة الحفصية في تونس، ولكن أفراد كل واحدة من هاتين الأسرتين قلما كانوا ينقطعون عن التنافس على الملك والسلطان، وكثيرا ما كان السلاطين أنفسهم يوزعون بلادهم على أولادهم، ويقطعون لكل واحد منهم إمارة يستمتع بحكمها طول حياته، وقد يورثها إلى أولاده بعد مماته، وكثيرا ما كان هؤلاء الأمراء يسعون إلى توسيع حدود إماراتهم على الرغم من وشائج القرابة القائمة بينهم وبين جيرانهم، وكثيرا ما كانت تنشب حروب ومخاصمات بين أبناء العم، أو بين الإخوة، وقد سجل التاريخ مخاصمات وحروبا عديدة قامت بين الآباء والأبناء أيضا.

وطبيعي أن حكام الأقاليم كثيرا ما كانوا يستفيدون من المنافسات التي تقوم بين أفراد الأسرة المالكة، ويستقلون في شئون البلاد التي يحكمونها، ويوجدون بذلك دويلات شبه مستقلة لا ترتبط بالدولة المركزية إلا بروابط اسمية واهية.

وكثيرا ما كان بعض الوزراء ينتفضون على سلاطينهم؛ يخلعونهم أو يقتلونهم، وينصبون محلهم أحد الأمراء القاصرين؛ لكي يبقوا هم أصحاب الأمر والنهي تحت ستار الكفالة - أي الوصاية - عن السلطان الجديد.

ولا حاجة إلى البيان أن هؤلاء قلما كانوا يستطيعون أن يستمتعوا بالحكم مدة طويلة بعدما يتوصلون إليه بمثل هذه الوسائل؛ لأن كل ثورة من هذا القبيل كانت تثير أطماح الآخرين، وتفتح بابا لثورات معاكسة ومنافسة، فلا تترك مجالا لاستقرار الأمور على حال من الأحوال.

وهكذا كانت القلاقل والاضطرابات والانقلابات تتوالى بدون انقطاع. «إن ابن خلدون دخل الحياة العامة وخاض غمار الحياة السياسية مدة ربع قرن، في هذا العصر الذي كان يغلي بشتى أنواع الفتن والثورات، ومما تجدر الإشارة إليه أنه قضى معظم سني حياته السياسية في بلاد المغرب الأوسط التي كانت بمثابة البؤرة الأساسية في هذه التقلبات.» (2)

ولإعطاء فكرة واضحة عن التقلبات السياسية التي كانت تتوالى في بلاد المغرب، نرى أن نستعرض هنا طائفة من الوقائع التي حدثت خلال حياة ابن خلدون نفسه: (أ)

إن السلطان المريني «أبو الحسن» عندما تولى الملك أخذ يسعى إلى توسيع حدود مملكته؛ فاستولى أولا على تلمسان، وقضى على دولة بني عبد الواد، ثم واصل الحروب والفتوح نحو الشرق، فاستولى على بجاية التي كانت تابعة إلى إفريقية، واعتقل الأمير الحفصي الذي كان يحكمها، ونقله مع سائر الأمراء إلى تلمسان، وفرض على جميعهم الإقامة هناك بعيدين عن بلادهم، وبعد ذلك استولى على قسنطينة أيضا، وأبعد أميرها الحفصي إلى فاس.

وفي الأخير واصل الزحف نحو الشرق، إلى أن استولى على تونس، واستطاع بذلك أن يجمع تحت حكمه بلاد المغرب - الأدنى والأوسط والأقصى - من خليج قابس إلى البحر المحيط. «كان ابن خلدون إذ ذاك في السادسة عشر من العمر.» (ب)

Unknown page