Dirasat Can Muqaddimat Ibn Khaldun
دراسات عن مقدمة ابن خلدون
Genres
إن العصر الذي عاش وعمل وفكر خلاله ابن خلدون - النصف الثاني من القرن الثامن للهجرة، والرابع عشر للميلاد - كان من عصور التحول والانتقال في جميع أنحاء العالم المتمدين المعلوم إذ ذاك؛ تحول وانتقال نحو التفكك والانحطاط في العالم العربي، وتحول وانتقال نحو النهوض والانبعاث في العالم الغربي.
فيجدر بنا أن نستعرض أحوال ذلك العصر في كل واحد من هذين العالمين على حدة. (1) العالم العربي
كان العالم العربي ينقسم في عهد ابن خلدون بين الناس وبين الكتاب إلى قسمين أساسيين؛ المغرب والمشرق.
فإن البلاد التي تمتد بين مصر وبين البحر المحيط كانت تعتبر «المغرب»، في حين أن مصر وما يليها من البلاد العربية كانت تعتبر «المشرق».
إن سكان المغرب لا يزالون يتمسكون بهذه الأسماء، فيعتبرون أنفسهم «مغاربة»، ويسمون أهل مصر والشام والعراق والحجاز «مشارقة».
وأما الأندلس فكانت مغربية بوضعها الجغرافي، وإن كانت منفصلة عما يسمى «بلاد المغرب» بوجه عام. (1-1) الأندلس
كانت معظم بلاد الأندلس قد خرجت من حوزة العرب ودخلت تحت حكم الإسبان، بما في ذلك أهم مراكز الحضارة الأندلسية، من طليطلة وقرطبة إلى إشبيلية، وكان جماعات كبيرة من سكانها العرب قد جلت عنها إلى المغرب وإلى إفريقية - أي إلى مراكش وتونس، ولم يبق تحت حكم العرب هناك سوى قطعة صغيرة في الجنوب الغربي تكاد تنحصر بين غرناطة وبين المرية وجبل الفتح.
وكان يحكم هذه البقية الباقية من الأندلس «بنو الأحمر»، ولكن أمراء هذه الأسرة نفسها كثيرا ما كانوا يتنافسون على الحكم ويتخاصمون عليه، وكانوا يتخاصمون في بعض الأحيان مع سلاطين المغرب أيضا.
وكثيرا ما كان الأمراء والحكام الذين يفشلون في ثوراتهم على سلاطينهم يلتجئون إلى المغرب إذا كانوا من الأندلسيين، وإلى الأندلس إذا كانوا من المغاربة، وإذا حدث خلاف بين سلطان المغرب وسلطان الأندلس - لسبب من الأسباب - راح كل واحد منهما يطلق زعماء الثورة اللاجئين إلى بلاده؛ بغية إحداث شغب واضطراب في بلاد خصمه. «إن ابن خلدون رحل إلى الأندلس مرتين؛ في المرة الأولى مكث فيها ثلاث سنوات ثم غادرها باختياره، ولكنه في المرة الثانية لم يمكث فيها إلا بضعة أشهر وغادرها مكرها.» (1-2) المغرب العربي
وأما بلاد المغرب فكانت تجزأت - منذ انقراض دولة الموحدين - إلى ثلاث دول، يحكمها ثلاث أسر حاكمة؛ بنو مرين في المغرب الأقصى، بنو عبد الواد في المغرب الأوسط، وبنو حفص في المغرب الأدنى الذي كان يسمى «إفريقية». (1)
Unknown page