255

Dirāsāt ʿan Muqaddimat Ibn Khaldūn

دراسات عن مقدمة ابن خلدون

Genres

إن الدولة - في نظر ابن خلدون - لا تبقى طول حياتها على حالة واحدة، بل إنها تتطور تطورا مستمرا من نشأتها إلى انقراضها - من تمهيد أمرها إلى اختلال أحوالها وزوال كيانها - إن هذا التطور يشمل نواحي عديدة، ويحدث في اتجاه معين وفق نظام ثابت؛ فإن كل دولة تنتقل من حالة إلى حالة ومن طور إلى طور، وهذه الحالات وهذه الأطوار تتوالى على وتيرة واحدة، تشمل جميع الدول في جميع الأقطار وجميع الأدوار بلا استثناء.

يتبع ابن خلدون التطورات التي تطرأ على الدول من ناحيتين أساسيتين: (أ)

التطورات التي تحدث في الدولة من ناحية الأحوال العامة والأخلاق. (ب)

التطورات التي تحدث في الدولة من ناحية العظم واتساع النطاق.

يقرر ابن خلدون - من الناحية الأولى - أن كل دولة تنتقل في أطوار مختلفة، لا تعدو في الغالب الخمسة؛ الأول: طور الظفر بالبغية، الثاني: طور الانفراد بالمجد، الثالث: طور الفراغ والدعة، الرابع: طور القنوع والمسالمة، والخامس: طور الإسراف والتبذير.

ويقرر - من الناحية الثانية - أن كل دولة يتسع نطاقها أولا إلى نهايته، ثم يأخذ هذا النطاق في التقلص والتضايق طورا بعد طور، إلى فناء الدولة واضمحلالها. (4)

إن نظرية ابن خلدون في أطوار الدول وفي اتساع نطاقها، تستند - في حقيقة الأمر - إلى نظرية أخرى هي نظرية عمر الدولة، غير أن هذه النظرية أيضا تستند إلى نظرية أخرى أعم منها هي «نظرية الحسب».

ولذلك يجدر بنا أن ندرس هاتين النظريتين قبل أن نمعن النظر في نظرية تطور الدول نفسها. (2) عمر الدولة (1)

يقرر ابن خلدون في أحد فصول الباب الثاني «أن نهاية الحسب في العقب الواحد أربعة آباء» (ص136)، ويشرح هذه القضية ويعللها كما يأتي: «الحسب من العوارض التي تعرض للآدميين، فهو كائن فاسد لا محالة» (ص136). وبتعبير آخر: هو حادث وزائل حتما، إنه يكون ثم يفسد، يحدث ثم يزول. «فإن كل رئاسة وشرف وحسب تسبقه - حتما - حالة من الضعة والابتذال وعدم الحسب» (ص137). كما أنه ينتهي في آخر الأمر إلى الضعة والابتذال وعدم الحسب، وهذا الحسب يستمر عادة من أربعة أجيال، وينتهي في أربعة آباء.

وذلك لأن «باني المجد عالم بما عاناه في بنائه، ومحافظ على الخلال التي هي أسباب كونه وبقائه.

Unknown page