184

Dirāsāt ʿan Muqaddimat Ibn Khaldūn

دراسات عن مقدمة ابن خلدون

Genres

من البديهي أن ذلك ينم عن نزعة قوية لتعليل الحوادث الاجتماعية بالعوامل الاقتصادية، ويتضمن بذور المذهب المعروف باسم «المادية التاريخية» على رأي كارل ماركس. (2)

يلاحظ ابن خلدون أهمية الأشكال الاجتماعية أحسن ملاحظة عندما يقول: «إن الأوطان الكثيرة القبائل والعصائب قل أن تستحكم فيها دولة.» وبعكس ذلك: «إن الأوطان الخالية من العصبيات يسهل تمهيد الدولة فيها» (ص164).

ولا حاجة للبيان أن ذلك ينم عن نزعة بارزة للتعليل بالأشكال الاجتماعية، وفق نظريات إميل دوركهايم. (3)

ينظر ابن خلدون إلى المجتمعات كعضويات، ويصرح بذلك في عدة محلات، فإنه يكتب ما يأتي في الفصل الذي يقرر «أن الحضارة غاية العمران ونهاية لعمره»: «إن العمران كله، من بداوة وحضارة، وملك وسوقة، له عمر محسوس، كما أن للشخص الواحد من أشخاص المكونات عمرا محسوسا» (ص371).

ويقول في موضع آخر: «إن الدولة لها أعمار طبيعية كما للأشخاص» (ص170)، «وهذا العمر للدولة بمثابة عمر الشخص من التزيد إلى سن الوقوف، ثم إلى سن الرجوع» (ص171).

ويقول كذلك: «إن الحضارة هي سن الوقوف لعمر العالم في العمران والدولة» (ص374).

ويتكلم في عدة فصول عن هرم الدولة فيقول: «إن العوارض المؤذنة بالهرم تحدث للدولة بالطبع»، و«حدوثه بمثابة حدوث الأمور الطبيعية، كما يحدث الهرم في المزاج الحيواني» (ص294).

ومما تجدر ملاحظته أن رأي ابن خلدون في هذا الصدد لم يكن من قبيل التشبيه المجرد، بل هو رأي مبني على الدرس والتفصيل؛ لأنه يحاول أن يبرهن على ذلك باستقراء الوقائع التاريخية.

ولا حاجة للبيان أن هذا الرأي ينم عن نزعة قوية نحو المذهب العضواني في علم الاجتماع، وفق نظريات هربرت سبنسر، وره نه فورمس. (4)

إن آثار النظريات النفسانية كثيرة جدا في مقدمة ابن خلدون؛ فإن في الفصل القائل: «إن المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب» (ص147)، وفي الفصل الذي يقرر «أن الأمة إذا غلبت وصارت في ملك غيرها أسرع إليها الفناء» (ص148)، وفي الفصل القائل بأن «الملك والدولة إنما يحصلان بالقبيل والعصبية» (ص154)، وفي الفصل القائل بأنه «إذا استقرت الدولة وتمهدت، فقد تستغني عن العصبية» (ص154)، وفي فصل الحروب (ص270-279) توجد تعليلات وتفصيلات كثيرة مستندة إلى العوامل النفسانية. (5)

Unknown page