Dirasat Can Muqaddimat Ibn Khaldun
دراسات عن مقدمة ابن خلدون
Genres
كما قال في الفصل نفسه، بعد استعراض ما حصل من الاختلاف في أمر الخلافة حتى عهد معاوية: «ثم اقتضت طبيعة الملك الانفراد بالمجد واستئثار الواحد به، ولم يكن لمعاوية أن يدفع ذلك عن نفسه وقومه، فهو أمر طبيعي ساقته العصبية بطبيعتها» (ص205).
وقال ابن خلدون في الفصل الذي يقرر: «أن الهرم إذا نزل بالدولة لا يرتفع»: «قد قدمنا العوامل المؤذنة بالهرم، وأسبابه واحدا بعد واحد، وبينا أنها تحدث للدولة بالطبع، وأنها كلها أمور طبيعية لها، وإذا كان الهرم طبيعيا في الدولة، كان حدوثه بمثابة حدوث الأمور الطبيعية، كما يحدث الهرم في المزاج الحيواني، والهرم من الأمراض المزمنة التي لا يمكن دواؤها ولا ارتفاعها؛ لما أنه طبيعي، والأمور الطبيعية لا تتبدل» (ص293-294).
إن مقدمة ابن خلدون مملوءة بمثل هذه الكلمات والأبحاث التي تدل دلالة قطعية على تفكيره الدائم في «طبيعية الأشياء»، وضرورة الوجود»، و«ترتيب الوجود»، وعلى فهمه الواضح ل «طبيعة الحوادث الاجتماعية وضروريتها»، وبتعبير أقصر: على قوة اعتقاده بتبعية الحوادث الاجتماعية لقانون السببية، ومبدأ التعين والحتمية.
كان «مونتسكيو» قد عرف «القوانين» - في أواسط القرن الثامن عشر - بقوله: «الروابط الضرورية التي تتأتى من طبيعة الأشياء»، وتعريفه هذا كان قد نال شهرة كبيرة. نحن نعتقد أن كل من ينعم النظر في الأمثلة التي ذكرناها آنفا؛ يضطر إلى التسليم بأن ابن خلدون كان قد فكر في ذلك تفكيرا واضحا قبل كتابة التعريف المذكور بقرون عديدة، كما نرى أن بعض تلك العبارات مما يجوز ذكره بين أحسن الأمثلة وأوضح الأدلة، على حتمية الحوادث الاجتماعية.
ثالثا:
لم يمر ابن خلدون في المقدمة على المبادئ والمواضيع المذكورة مرا سريعا، كما أنه لم يكتبها كتابة عرضية، بل إنه عمل بتلك المبادئ عملا متواصلا، ودرس تلك المواضيع دراسة تفصيلية.
وإذا صرفنا النظر عن بعض الفصول والأبحاث التي تأتي في المقدمة بمثابة معلومات تمهيدية أو استطرادية، يمكننا أن نقول:
إن الباب الأول بمثابة فصول في الاجتماعيات العامة
Sociologie Génerale .
وإن البابين الثاني والثالث يحتويان على الكثير من أبحاث الاجتماعيات السياسية
Unknown page