Dirasat Can Muqaddimat Ibn Khaldun
دراسات عن مقدمة ابن خلدون
Genres
يعرف باسم مسيد القبة.
اللوحة 4.
توطئة
1
دراسات عن مقدمة ابن خلدون!
أسطر هذه الكلمات وكأني أسمع همس معترض يعترض علي قائلا:
دراسات عن مقدمة ابن خلدون؟ ولماذا اخترت هذا الموضوع المبتذل المعاد؟ إن مقدمة ابن خلدون منتشرة بين أيدي جميع المتنورين من الناطقين بالضاد، وقد كتب الدكتور طه حسين أطروحة عن «فلسفة ابن خلدون الاجتماعية»، كما نشر الأستاذ عبد الله عنان كتابا عن «ابن خلدون، حياته وتراثه الفكري»، وقد نشر عدد غير قليل من المفكرين والكتاب عددا لا بأس به من البحوث والفصول والمقالات عن ابن خلدون ومقدمة ابن خلدون في مختلف الكتب والجرائد والمجلات. فلا نتعدى الحقيقة إذا قلنا: ما من مفكر ولا مؤرخ عربي حظي من كثرة الذكر وذيوع الصيت بما حظي به ابن خلدون، فما الفائدة من العودة إلى هذا الموضوع بعد جميع هذه الكتابات والنشرات؟ ألم يكن من الأجدر بك ومن الأوفق لمصلحة قرائك أن تنتخب موضوعا آخر أكثر جدة وطرافة من هذا الموضوع؟
غير أني لم أسلم بوجاهة مثل هذه الاعتراضات والملاحظات؛ لأنني أعتقد بأن الطرافة في الدراسات لا تتأتى من جدة الموضوع وحده، بل قد تتولد من طرافة الطريقة والاتجاه أيضا. وأنا مع احترامي للكتب والمقالات والدراسات التي نشرت بالعربية عن ابن خلدون ومقدمة ابن خلدون أرى أنها ظلت بعيدة عن استيفاء حاجة البحث في هذا الموضوع الخصب الهام من نواحيه المختلفة، فأعتقد بأن هناك حاجة ماسة إلى إكمال تلك الأبحاث والدراسات وإتمامها، كما أن هناك ضرورة قصوى لإعادة النظر واستئناف البحث في معظم تلك الدراسات بطرق وأساليب أخرى وفق وجهات نظر جديدة.
ومما يظهر هذه الحاجة بجلاء أعظم، ويبرهن على هذه الضرورة بوضوح أتم؛ أن الأبحاث والدراسات المنشورة عن ابن خلدون باللغة العربية قليلة وضئيلة جدا بالنسبة إلى ما نشر عنه في اللغات الأخرى، ولا سيما في اللغات الأوروبية، وهناك عدد غير قليل من الدراسات العلمية القيمة عن ابن خلدون وآرائه المختلفة لا تزال غير منقولة إلى العربية.
ومن الغريب أن أهم الدراسات التي كتبت بأقلام بعض الشبان العرب أيضا، ظلت خارجة عن نطاق «المطبوعات العربية» إلى الآن؛ فقد نشر الدكتور كامل عياد - من الشام - أطروحة باللغة الألمانية سنة 1930 عن «نظرية ابن خلدون في التاريخ والاجتماع»، كما نشر الدكتور صبحي المحمصاني - من بيروت - أطروحة باللغة الفرنسية سنة 1932 عن «آراء ابن خلدون الاقتصادية»، وكلتا الأطروحتين بقيتا غير مترجمتين إلى العربية، بالرغم من مرور اثنتي عشرة سنة على انتشار الأولى، ومرور عشر سنوات على انتشار الثانية، فاستفادة متنوري العرب من الأطروحة الأولى لا تزال تتوقف على معرفة الألمانية، كما أن الاستفادة من الثانية لا تزال تتطلب معرفة الفرنسية.
Unknown page