Dirasat Can Muqaddimat Ibn Khaldun
دراسات عن مقدمة ابن خلدون
Genres
وأما ابن خلدون فلا يستصوب هذا التقسيم القديم، بل يقسم العرب إلى أربع طبقات، يسميها؛ العاربة، المستعربة، التابعة، المستعجمة.
فإنه يوحد البائدة والعاربة في طبقة واحدة يسميها العاربة، ويضيق حدود طبقة العرب المستعربة؛ لأنه يذكر بعدها طبقتين من العرب، يسمي إحداهما باسم التابعة، والأخرى باسم المستعجمة. «العرب المستعجمة»، إن من يقرأ هذا التعبير يظن في الوهلة الأولى أن القصد منه هو «عرب المدن في دور الاستعجام»، ولكن قليلا من التأمل في ما كتبه ابن خلدون يكفي للتأكد من أن الأمر ليس كذلك؛ إن المؤلف لم يقصد من قوله «العرب المستعجمة» شيئا غير القبائل «البدوية» التي كانت تعيش في زمانه في عهد الدول الأعجمية، ودور فساد اللغة العربية واستعجامها. «ثم انقرض أولئك الشعوب في أحقاب طويلة، وانقرض ما كان لهم من الدولة في الإسلام، وخالطوا العجم بما كان لهم من التغلب عليهم؛ ففسدت لغة أعقابهم في آماد متطاولة، وبقي خلفهم أحياء بادين في القفار والرمال والخلاء من الأرض تارة، والعمران تارة، وقبائل بالمشرق والمغرب والحجاز واليمن وبلاد الصعيد والنوبة والحبشة وبلاد الشام والعراق والبحرين وبلاد فارس والسند وكرمان وخراسان ...» «لما كانت لغتهم مستعجمة عن اللسان المضري الذي نزل به القرآن، وهو لسان سلفهم، سميناهم لذلك العرب المستعجمة» (تاريخ ابن خلدون، ج1، ص24).
وأما التفاصيل التي يكتبها ابن خلدون عن هؤلاء، فكلها تدل دلالة صريحة على أن العرب المستعجمة لم تكن في نظر ابن خلدون سوى القبائل البدوية التي كانت تعيش خارجا عن المدن وحول الأمصار. (3)
وإذا راجعنا الأبحاث العائدة إلى العهد الإسلامي من تاريخ العرب نجد فيها أيضا دلائل كثيرة على ما قدمناه آنفا.
ندرج فيما يلي بعض النماذج لهذه الدلائل والقرائن القاطعة: (أ)
في المجلد الثالث من التاريخ يوجد فصل «في نهب العرب للبصرة»، يقول فيه ابن خلدون فيما يقوله: «اجتمع بنو عامر بن صعصعة، وأميرهم عميرة، وقصدوا البصرة، ونهبوها ورحلوا عنها» (طبعة بولاق، ج3، ص540).
يفهم من هذه العبارات بصراحة أن العرب الذين يذكرهم ويعنيهم ابن خلدون هنا هم الأعراب الذين كانوا يعيشون في البادية خارج مدينة البصرة. (ب)
في المجلد الرابع بحث تحت عنوان «ذكر المتغلبين بالبحرين من العرب بعد القرامطة»، يقول المؤلف في هذا البحث: «كان بأعمال البحرين خلق من العرب، وكان القرامطة يستنجدونهم على أعدائهم، ويستعينون بهم في حروبهم، وكان أعظم قبائلهم هناك بني تغلب، وبني عقيل، وبني سليم» (ج4، ص91).
ولا مجال للشك في أن العرب المقصودين هنا أيضا هم القبائل البدوية فحسب. (ج)
في المجلد الخامس بحث تحت عنوان: «واقعة العرب بالصعيد»، يقول فيه ابن خلدون: «وفي أثناء هذه الفتن كثر فساد العرب بالصعيد وعبثهم، وانتهبوا الزرع والأموال، (مما استوجب خروج السلطان عليهم لتأديبهم)؛ فهزم العرب واستلحم جموعهم، وامتلأت أيدي العساكر بغنائمهم، حتى استأمن بعد رجوع السلطان، فأمنه على أن يمتنعوا من ركوب الخيل وحمل السلاح، ويقبلوا على الفلاحة» (ج5، ص450).
Unknown page