Din
الدين: بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان
Genres
اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي (سورة المائدة، الآية: 3)، وصدق رسول الله
صلى الله عليه وسلم
حين صور الرسالات السماوية في جملتها أحسن تصوير: «مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا، فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة فجعل الناس يطوفون ويعجبون له، ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة، فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين» (البخاري، كتاب المناقب، باب خاتم النبيين) عن أبي هريرة (رقم 3271).
إنها إذن سياسة حكيمة رسمتها يد العناية الإلهية، لتربية البشرية تربية تدريجية لا طفرة فيها ولا ثغرة، ولا توقف فيها ولا رجعة، ولا تناقض ولا تعارض، بل تضافر وتعانق، وثبات واستقرار، ثم نمو واكتمال وازدهار.
وننتقل الآن إلى المرحلة الثانية: «المرحلة الثانية» في بحث العلاقة بين الشريعة المحمدية والشرائع السماوية بعد أن طال الأمد على هذه الشرائع، فنالها شيء من التطور والتحرر.
رأينا في المرحلة السابقة كيف كان القرآن يعلن عن نفسه دائما أنه جاء «مصدقا لما بين يديه من الكتب»، ونرى الآن أن القرآن أضاف إلى هذه الصفة صفة أخرى؛ إذ أعلن أنه جاء أيضا «مهيمنا» على تلك الكتب
وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون (سورة المائدة، الآية: 48) أي: حارسا أمينا عليها ... ومن قضية الحراسة الأمينة على تلك الكتب ألا يكتفي الحارس بتأييد ما خلده التاريخ فيها من حق وخير، بل عليه - فوق ذلك - أن يحميها من الدخيل الذي عساه أن يضاف إليها بغير حق، وأن يبرز ما تمس إليه الحاجة من الحقائق التي عساها أن تكون قد أخفيت منها.
وهكذا كان من مهمة القرآن أن ينفي عنها الزوائد، وأن يتحدى من يدعي وجودها في تلك الكتب:
قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين (سورة آل عمران، الآية: 93)، كما كان من مهمته أن يبين ما ينبغي تبينه مما كتموه منها:
يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب (سورة المائدة، الآية: 15).
Unknown page