Din Wa Wahy Wa Islam
الدين والوحي والإسلام
Genres
وفي رسالة إثبات النبوات: «ثم بينوا أن الأفلاك لا تفنى ولا تتغير أبد الدهر، وقد ذاع في الشرع أن الملائكة أحياء قطعا لا يموتون كالإنسان الذي يموت؛ فإذا قيل: إن الأفلاك أحياء ناطقة لا تموت، والحي الناطق الغير الميت يسمى ملكا، فالأفلاك تسمى ملائكة.»
والذي يعنينا فيما نحن بصدده هو الملك بالمعنى الأخير؛ أي النفوس السماوية والعقول التي هي جواهر روحانية غير متميزة ولا قائمة بمتحيز، أما النفوس فمجردة في ذواتها متعلقة بأجرام الأفلاك تعلق تصريف من غير أن تقوم بها، وتسمى ملائكة سماوية، وأما العقول فمجردة ذاتا وفعلا وتسمى بالملأ الأعلى.
ولئن اختلفت الفلاسفة في أن الملائكة ماهيات مخالفة بالنوع للأرواح البشرية، فإنهم لم يختلفوا في أن النفوس الإنسانية مجردة في ذاتها عن المادة غير حالة فيها بل هي لامكانية، ولها نسبة في التجرد إلى المجردات العالية، وخاصة إلى النفوس السماوية المنتقشة بصور ما يحدث في هذا العالم؛ لكونها مبادئ لما يحدث في هذا العالم؛ وما الوحي عند الفلاسفة الإسلاميين إلا اتصال النفوس الناطقة البشرية بعقول الأفلاك ونفوسها؛ ذلك بأن النفس الإنسانية لها استعداد لقبول المعقولات بالفعل، وكل ما خرج من القوة إلى الفعل فلا بد له من سبب يخرجه إلى الفعل، وذلك السبب يجب أن يكون موجودا بالفعل، فلا يجوز أن يكون جسما؛ لأن الجسم مركب من مادة وصورة، والمادة أمر بالقوة، فلا بد إذن أن يكون السبب جوهرا مجردا عن المادة، وهو العقل الفعال المجرد عن المادة وعن كل قوة، فهو الفعل من كل وجه.
وقد فصل ابن سينا القول في تمكن النفوس الناطقة من الاتصال بعقول الأفلاك ونفوسها في كتاب «الإشارات» على الوجه الآتي: (1)
إن القوى النفسانية متجاذبة متنازعة، فالنفس حال اشتغالها بتدبير القوة العقلية لا يمكنها الالتفات إلى القوة الشهوانية وبالعكس، والنفس إذا ما استخدمت الحواس الباطنة ضعفت الحواس الظاهرة، فإن الإنسان حالما يكون مستغرقا في تخيل أو فكر ربما حضر عنده المبصر القوي والمسموع القوي، ثم إنه مع سلامة الحس لا يشعر بشيء من ذلك. (2)
الحس المشترك هو القوة التي تحصل فيها صور الأمور التي تحس بالحواس الخمس، وللصور المرتسمة في الحس المشترك أربع درجات:
إحداها:
أن تصير مشاهدة في ابتداء ارتسامها من المحسوسات الخارجة.
ثانيتها:
بقاء الإحساس بهذه الصور مع بقاء المحسوسات في الخارج.
Unknown page